عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
متى يبدأ الجيش الروسي هجومه المضاد ؟ هو السؤال الذي يطرحه الكثير من المراقبين وتنقسم حوله الآراء بين من يؤكد ان هذا الهجوم هو أمر حتمي ، وبين من ينفي حدوث الهجوم الروسي المضاد وبقاء الخطوط الميدانية على وضعها الحالي .
الجواب على هذا السؤال يحتاج الى احاطة دقيقة بعيدة عن التموضع السياسي للخبراء واطلاقهم اراء تتناسب مع اصطفافهم وليس منطق المقاربة الموضوعية .
بمرور ثلاثة شهور على الهجوم الأوكراني المستمر الفاشل بكل المقاييس وبالنظر الى حجم الخسائر التي تلحق بالقوات الأوكرانية مقارنة بالخسائر الروسية المقبولة يبدو منطقياً بقاء الوحدات الروسية في وضعيتها الدفاعية الحالية طالما ان ذلك يحقق استنزافاً في العديد البشري والمعدات للقوات الأوكرانية حيث ان هذه الوضعية ستشكل بالتراكم احد عوامل تحقيق الهزيمة بالقوات الأوكرانية بانتظار تحقيق أربعة شروط هامّة لانتقال الجيش الروسي الى الهجوم .
1- الاستمرار بصد القوات الأوكرانية واستنزاف قدراتها .
2- التركيز على الحاق اكبر ضرر بقوات المشاة الأوكرانية في المنطقة المحايدة .
3- الإستمرار باستهداف الخطوط الخلفية والاستهداف الممنهج لتجمعات الإحتياطي الأوكراني سواء كانت عديداً بشرياً او مواقع قيادو وسيطرة او تجمعات صناعية عسكرية وغيرها من مقومات دعم القوات الأوكرانية على خطوط القتال .
4- تأمين القوات والمعدات اللازمة للوحدات الروسية لتنفيذ قفزة هجومية سريعة تحقق في الحد الأدنى السيطرة على كامل جغرافيا جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك ومقاطعتي زاباروجيا وخيرسون .
اذا ما قاربنا الشروط الأربعة لوجدنا ان الجيش الروسي ينفذ وبكفاءة عالية الشروط الثلاثة المتضمنة استنزاف القوات الأوكرانية والحاق الضرر بها واستمرار استهداف الخطوط الخلفية في حين انه لا بد من طرح التساؤل حول جهوزية الجيش الروسي للإنتقال الى الهجوم في التوقيت الملائم .
موضوعياً : تلعب الجغرافيا والمناخ دوراً اساسياً بالنسبة للجيش الروسي والقوات الأوكرانية حيث سيبدأ بعد شهر من الآن فصل الشتاء الذي سيكون عنصر إعاقة بوجه الطرفين فلا القوات الأوكرانية ستكون قادرة على الإستمرار في هجومها المضاد ، ولا الجيش الروسي سينفذ اندفاعة هجومية في ظروف مناخية غير مناسبة وهذا يعني مراوحة الأوضاع ضمن ستاتيكو الاستهداف المتقابل بالمدفعية والمسيرات وغيرها من الأسلحة المعتادة التي يتم استخدامها .
هذه الوضعية ستكون امراً طبيعياً الا اذا كانت كلا القيادتين قد اعدّت خططاً يمكن من خلالها تنفيذ عمليات عسكرية واسعة في ظروف المناخ الصعب وهو أمر حصل سابقاً .
وفي هذا الصدد قد تعمد القيادة الروسية الى جرّ القوات الأوكرانية الى خط الدفاع الأول الروسي والسماح لها بتنفيذ اختراقات محدودة تضع القوات الأوكرانية بين اجنحة خط الدفاع الروسي الأول والقدرات النارية لخط الدفاع الثاني تمهيداً لتطويق القوات الأوكرانية المهاجمة والإطباق عليها .
وما دعاني الى توضيح مسألة السماح للقوات الأوكرانية بتنفيذ اختراقات محدودة هو ما يحصل على خط جبهتي زاباروجيا واوغليدار حيث تنجح الوحدات الروسية كل مرة في الإطباق على القوات الأوكرانية المهاجمة بعد السماح لها بتحقيق تقدم رأسي وليس جبهي .
في كل الأحوال واذا ما اتجهت الأمور الى بقاء الجبهات على وضعيتها الحالية فإن اليد العليا ستكون للجيش الروسي بالنظر الى امتلاكه قدرات نارية وبشرية اكثر تنظيماً ، إضافة الى خلفية متماسكة وبعيدة عن الإستهداف الأوكراني تتمثل بجبهة داخلية بعمق الآف الكيلومترات ، مع ضرورة الإشارة الى ان دخول المواجهة في وضعية التجمد قد يتيح للقوات الأوكرانية إعادة تنظيم قواتها واستكمال عمليات تسليح مرتبطة بالدبابات الغربية وايضاً طائرات الإف – 16 التي يمكن ان تدخل الى الخدمة والتي سيكون لها تأثير ولو محدود في استهداف مواقع روسية هامة في شبه جزيرة القرم وتحديداً القيام بعمليات استهداف ممنهجة لأسطول البحر الأسود الروسي وهو ما سيُلزم روسيا على تكثيف عمليات الإستهداف الإستباقية للقواعد الجوية الأوكرانية وتنفيذ عميلات تعطيل دائمة للموانيء الأوكرانية .
يبقى انه من الممكن وبالنظر الى ما تقدّم ان تكون هناك خطط روسية لتنفيذ بعض الهجمات المحدودة لتحسين ظروف التموضع وتحديداً على جبهة كوبيانسك والتي ستؤثر على جاهزية القوات الأوكرانية في جبهات زاباروجيا ودونيتسك .
المصدر | صباح الخير – البناء
https://sabahelkheyr.com/?p=7505