عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
بتاريخ 10 آب / أغسطس سنة 2022 صادق الرئيس الأميركي جو بايدن، على انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي “الناتو”، في الوقت الذي تمضي فيه الدولتان الاسكندافيتان للحصول على الموافقات التشريعية على طلبهما.
وقال بايدن حينها في كلمته قبيل المصادقة على طلب فنلندا والسويد، إن الناتو “تحالف لا غنى عنه لعالم اليوم والغد”، مضيفًا أنه “عندما انتهكت روسيا السلام والأمن في أوروبا، وعندما يتحدّى المستبدّون أسس نظام قائم على القواعد، فإن قوة التحالف الأطلسي والتزام أميركا بحلف شمال الأطلسي يصبحان أكثر أهمية من أي وقت مضى”.
ويأتي توقيع بايدن، على بروتوكول موافقة بلاده على انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، بعد موافقة مجلس الشيوخ الأميركي بأغلبية ساحقة لصالح الخطوة بتصويت 95 عضواً مقابل واحد، لصالح انضمام الدولتين، ما يجعل واشنطن الدولة الـ23 من أصل 30 بلدا التي تقر الانضمام رسميًا.
وفي تصريحات مرتبطة حينها أيضًا اعتبر مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، أن انضمام فنلندا والسويد للناتو سيغيّر أمن منطقتي الشمال الأوروبي والبلطيق، إذ يسمح لحلف الناتو بالتخطيط لدفاع كامل وموحد ضد أي مغامرة روسية محتملة ويقلل بشكل كبير من قدرة روسيا على الهجوم.
وأضاف ألبيركي أن “الأمر كما ذكر تقرير الحكومة الفنلندية حول البيئة الأمنية المتغيرة، فإن الانضمام للناتو يقلل من فرصة الحرب في جميع أنحاء المنطقة، ما يمثل تحسنا هائلا في الاستقرار وتعزيز الأمن”.
وعن رد الفعل الروسي المتوقع، أشار ألبيركي إلى أن موسكو “ستقوم ببعض الضوضاء”، مضيفا: “ربما ينقلون المزيد من الصواريخ والأسلحة النووية إلى منطقة كاليينينغراد، وسيكون هذا للاستعراض بشكل أساسي، وقد يعلنون عن تشكيل بعض الوحدات العسكرية الجديدة على الرغم من أن كيفية تزويدهم بهذه القواعد موضع تساؤل بالنظر إلى مدى اتساع انتشارهم العسكري في أوكرانيا”.
ربطاً بالفقرة الأخيرة من تصريحات البيركي تظهر بشكل واضح النظرة الفوقية للغرب الجماعي والرغبة الجامحة في كسر روسيا عبر تطويقها بمزيد من القواعد العسكرية والضغط عليها على أمل تقديمها تنازلات جذرية تؤدي الى وقف العملية العسكرية اولاً وسحب موسكو الى مفاوضات غير متكافئة ثانياً.
هكذا يفكّر الغرب الجماعي وهو تأكيد على الاستمرار في نهج الهيمنة لإدراك قادة الغرب الجماعي أنّ المواجهة الدائرة وان اتخذت مسمّى عملية خاصة فهدفها بات استئصال الهيمنة الغربية وتحديداً منها الأميركية، لهذا تأتي قرارات الغرب الجماعي أكثر حدّة وتسرّعاً.
في المخاطر:
من المؤكد أن انضمام فنلندا الى “الناتو” يعني بوضوح أن فنلندا أصبحت ساحة تموضع لأسلحة الناتو ومن ضمنها الصواريخ متوسطة المدى التي يمكنها أن تطال موسكو الواقعة على مسافة 800 كلم من الحدود الفنلندية – الروسية، وسيحوّل مدينة سانت بطرسبرغ الى هدف أساسي يمكن استهدافها بصواريخ راجمات الهايمارس حيث لا تبعد المدينة عن الحدود سوى 160 كلم وهو ما سيجعلها بمثابة مدينة على الحدّ الأمامي وكذلك تعريض قاعدتي اسطول البلطيق في كالينينغراد وفي كرنشتات – سانت بطرسبرغ لمخاطر التطويق وربما التدمير اذا ما تم نشر صواريخ ساحل – بحر في فنلندا ولاحقاً في السويد حيث لا يتجاوز عرض أوسع مجال بحري في بحر البلطيق الـ 270 كلم وهو مدى مناسب للصواريخ الأميركية والأوروبية المضادة للقطع البحرية.
إضافة الى ذلك من المؤكد أن الدانمارك ستشارك في أي مواجهة عبر قطع الممر الواصل بين بحر الشمال وبحر البلطيق، حيث يتصل بحر الشمال ببحر البلطيق عن طريق بحر سكاغيراك ومنه لخليج كاتيغات المتصل بالبلطيق.
هذا السيناريو الافتراضي المختصر اذا ما وصلت الأمور الى مرحلة المواجهة سيكون بمثابة مفتاح باب جهنم على العالم كلّه وليس فقط على روسيا لأن التدابير والإجراءات التصاعدية لحلف الناتو ستقود الأمور الى المواجهة دون أي شك وهو ما لا يمكن لروسيا أن تتجاوزه او تقبل به دون البدء باتخاذ إجراءات مضادة ستبدأ بالتأكيد بتوسيع نطاق انتشار الجيش الروسي على الحدود الغربية والشمالية الغربية وهذا يعني في المرحلة الحالية تقليل التواجد الروسي على الجدود الشرقية وهو ما يمكن ان يدفع الغرب الجماعي الى افتعال مشاكل في دول آسيا الوسطى لإرباك روسيا.
في مُطلق الأحوال فإن انضمام فنلندا ليس أمراً بسيطاً وسيكون له تداعيات خطيرة قد تدفع بالأمور الى التصعيد الذي لا يستطيع احد ان يدّعي كيف ومتى وشكل وحجمه.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قال مرارا أن توسع حلف شمال الأطلسي شرقا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي صوب الحدود الروسية من أسباب العملية العسكرية على أوكرانيا.
وأفاد بوتين أن توسيع الناتو ليشمل فنلندا والسويد “لا يشكّل تهديدا مباشرا لنا، لكن توسيع البنى التحتية العسكرية في أراضي هذه الدول سيدفعنا بالتأكيد إلى الرد”.
من جهته قال سيرجي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي عند بدء الحديث عن انضمام فنلندا والسويد الى الناتو “لا يجب أن يكون لديهم أي أوهام عن أننا سنغض الطرف عن ذلك ببساطة ولا يجب أن تفعل ذلك لا بروكسل ولا واشنطن ولا باقي عواصم دول حلف شمال الأطلسي”. وتابع ريابكوف الذي قاد محادثات مع الولايات المتحدة بشأن مقترح روسي لوقف توسع حلف شمال الأطلسي صوب الشرق إن “قرار هلسنكي وستوكهولم الانضمام للحلف قرار خاطئ، المستوى العام للتوتر العسكري سيرتفع، القدرة على التوقع في مثل تلك الأجواء ستقل. من المؤسف أن المنطق السليم يتم التضحية به مقابل افتراضات وهمية عما يجب فعله في هذا الموقف الآخذ في التكشف”.
الآن وقد تمت الموافقة على انضمام فنلندا الى “الناتو” فمن المؤكد أننا سنكون أمام جولة محمومة من الأفعال وردود الأفعال ستساهم في رفع منسوب المخاطر بالذهاب الى حرب نووية اذا لم تتم معالجة الأمور برويّة وحكمة من أطراف الصراع، فكل من روسيا والغرب الجماعي يعتبر المواجهة الحالية معركة وجودية يعتبر الجانب الروسي انها تهدد أمنه القومي ويعتبر الغرب الجماعي أنها تهديد لقدراته وامتيازاته التي حققها على مدى عقود طويلة وهو ما لا يمكن أن يتم التخلي عنه ببساطة وسهولة.
المصدر | موقع العهد الإخباري
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=52550&cid=124