عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
في تبرير للفشل الكبير للهجوم الأوكراني المضاد قال مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق، الجنرال مارك كيميت: ما أنتقده من جانب السياسيين، هو تحدثهم عن إنجاز الأمور بسرعة ، لكن المحنكون يعلمون أن اختراق التحصينات يستغرق أشهراً طويلة.
لكن مع بدء الهجوم الأوكراني كانت الآمال ذات سقف مرتفع للغاية حيث تمّ الترويج ان القوات الأوكرانية ستتمكن وبسرعة كبيرة من اختراق خط الدفاع الروسي ولن يستغرق الأمر بضعة أيام حتى تصل القوات في الحد الأدنى الى مدينة توكماك جنوب غرب مدينة زاباروجيا والى مدينة فولنافاخا جنوب مدينة اوغليدار بعمق يتراوح بين 30 الى 50 كلم وهو أمر لو حصل كان سيشكل ضربة كبيرة لهيبة روسيا وليس فقط الجيش الروسي وكان سيكون بمثابة تحول جيوسياسي خطير للغاية وستكون له انعكاسات كبيرة على مجمل العلاقات والأحلاف والتحولات في العالم اجمع .
من المؤكد انه كان لدى الأوكرانيين والغرب الجماعي مع بدء التخطيط للهجوم المضاد الكثير من الشعور الوهمي بالاحساس بفائض القوة وهو ما تجلّى قبل بدء الهجوم بالتصريحات التي غلب عليها الكثير من التعالي والفوقية الناتجة بالتأكيد عن سوء لتقدير الموقف .
وعلى الرغم من النتيجة المروعة التي وصل اليها الهجوم الأوكراني صرّح الرئيس زيلنسكي بانه على الرغم من ان الأوضاع الميدانية في أوكرانيا تزداد تعقيدا.. وعوامل عديدة تزيد من هذا الواقع فان بلاده تقترب اكثر من زيادة عدد العمليات الهجومية .
على عكس زيلنسكي قال مساعد وزير الدفاع الأوكراني السابق أوليكسي ميلنيك:
من المبكر جدا أن نتوصل لهذه الاستنتاجات، الانتصار لن يكون سريعا، فالعدو قوي جدا. تنقصنا القوة الجوية، لذلك سنشهد معارك ضارية، لكننا سننتصر.
عطفا على المقدمة كان سقف الآمال الأوكرانية مرتفعا جداً ، لكن التحصينات الروسية افشلت مئات الهجمات حتى اللحظة .
وفي اختصار للأ سباب التي ادّت الى فشل الجيش الأوكراني فإن الجيش الروسي نجح في بناء “حزام دفاعي قوي”، أعطب هجوم القوات الأوكرانية وأرهقها بشكل كبير.
وشملت الإجراءات العسكرية الروسية، التكثيف من استخدام “حقول الألغام، وبناء مخابئ للجنود إضافة إلى خطوط الخنادق شديدة التحصين، لدرجة أن بريطانيا وصفت التحصينات الروسية، بأنها الأكثر شمولا في العالم”.
عوامل أخرى، جعلت الهجوم المضاد للقوات الأوكرانية، في الجنوب يصاب بالبطء، وهي أن تضاريس المنطقة ليست في صالحه، حيث الأرض المفتوحة وقلة الطرق المغطاة، وبالتالي افتقاد عنصر المفاجأة الذي يعد عاملا مهما في حسم المعارك.
يضاف إلى ذلك خسارة أوكرانيا غالبية المركبات القتالية للمشاة والدبابات التي قدمها حلف الناتو في بدايات الهجوم.
وما يعزز هذه الأسباب ، هو تأكيد مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أن القوات الأوكرانية تتعرض لخسائر فادحه في هجومها المضاد، وتحديدا في صفوف الجنود.
وأمام هذه المعوقات العسكرية لكييف، فإنها تقول إن غياب الدعم الجوي هو السبب في إشارة إلى طائرات إف -16 التي تعهدت دول بإرسالها لاحقا.
غير ذلك فإن السؤال المطروح وبقوة : ماذا بعد على صعيد الهجوم الأوكراني المضاد؟
بينما كان الروس يدشنون دفاعاتهم، كان الأوكرانيون يجهّزون عددا من الألوية المدرعة التي تلقّى عدد منها تدريبا في أوروبا والمزوّدة بعتاد يفوق العتاد الروسي على امل احداث خرق كبير في الخط الدفاعي الروسي وبعد سلسلة طويلة من الهجمات الفاشلة فان كل ما يستطيع الأوكرانيون الآن فعله هو إطلاق قذائف وصواريخ يصل مداها إلى ما وراء الخطوط الروسية في محاولة لتدمير مستودعات الوقود ومخازن الذخيرة ومراكز القيادة، على نحو كفيل بإضعاف جبهة الدفاعات الروسية من الداخل وهي ايضاً إجراءات لم تؤدي الى أي نتيجة وهذا ما يدفع الأوكرانيين الى تكثيف ارسا ل الطائرات المسيّرة والزوارق الإنتحارية في محاولة للتعويض في الجانب المعنوي ، وهي أيضا بغالبيتها عمليات فاشلة باستثناء بعض النجاح في الهجوم على مطار بسكوف وهي عملية اثبت التحقيق ان المسيّرات انطلقت من الداخل الروسي من ضمن خطة استخباراتية وهي على الرغم من خطورتها فانها لا تعني الكثير بما يرتبط بتغيير معالم الميدان على ارض المعركة .
أخيرا، يمكن القول إن الوقت ليس في صالح أوكرانيا ، فبحلول الخريف ودخول موسم الأمطار، تصبح الطرق غير الممهدة موحلة على نحو يصعب معه إحراز مزيد من التقدم، إنْ لم يصبح ذلك مستحيلا.
وبحلول الربيع، يأتي موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
وما لم يحقق الأوكرانيون مكاسب حاسمةً على صعيد القتال قبل ذلك الوقت، فليس مؤكداً أنْ تواصِل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، الناتو، تقديم الدعم لـكييف على نفس هذا المستوى العالي.
المصدر | صباح الخير – البناء