عمر معربوني | باحث في الشؤون السياسية والعسكرية – رئيس تحرير موقع المراقب
بداية لا بدّ من التذكير بالعناوين الخمسة التي جاء بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو عندما زار لبنان والتقى الرؤساء الثلاثة وهي عناوين بمثابة املاءات شكّلت المنطلق لإطلاق الفوضى الناعمة في لبنان من بوابة الوضع المعيشي وهي :
- استجابة لبنان لكامل شروط صندوق النقد الدولي عبر رفع الدعم وتحرير سعر الصرف وخصخصة القطاع العام وهو البند الذي نُفّذ معظمه على يد الطبقة السياسية .
- الوصول الى شكل من اشكال التعاون بين لبنان والكيان اليهودي في ملّف الغاز والذي انتج خاتمة مقبولة حفظت حق لبنان ورمت مسألة التعويض من حقل قانا على شركة توتال التي تعهدت بدفع جزء من أرباحها لكيان العدو .
- دمج النازحين السوريين في المجتمع اللبناني توطئة لتجنيسهم .
- منح اللاجئين الفلسطينيين الجنسية اللبنانية
- تطويق وعزل حزب الله وفصائل المقاومة اللبنانية .
تزامناً مع بنود بومبيو انقسمت الإدارة الأميركية الى فريقين ، فريق يتبنى الفوضى الناعمة كما هو حاصل حتى اللحظة كناتج للواقع المعيشي والإقتصادي الذي يسوء يوماً بعد يوم على امل إيصال اللبنانيين الى مرحلة الإخضاع ، وفريق يتبنى الفوضى الشاملة من بوابة العنوان الأمني والذي يواجه اعتراضاً من فريق الفوضى الناعمة الذي يعتقد لا بل يجزم ان الذهاب الى الفوضى الشاملة سيؤدي الى خسارة اميركا نفوذها واتباعها في لبنان .
وعلى مدى اربع سنوات وعلى الرغم من النتائج الكارثية التي نتجت عن الحصار غير المعلن على لبنان لم تستطع الإدارة الأميركية تحقيق أهدافها وهو ما ادّى الى زيادة منسوب الضغط الاقتصادي عبر ضرب الليرة اللبنانية ما يعني الإقتراب من الدخول في مرحلة الفوضى الشاملة انطلاقاً من تصاعد حدّة الضغط على الواقع المعيشي والدخول في مرحلة نسف الأمن المجتمعي والإنفلات الأمني المتماهي مع ممارسات وسلوك لا مسؤول من اتباع اميركا في لبنان كان لا بدّ من رسم معادلة يمكنها في الحد الأدنى وقف التداعيات السلبية للإنهيار وهو ما اعلنه سماحة السيد حسن نصرالله بشكل واضح ان الرد على ادخال لبنان في الفوضى سيقابله ادخال المنطقة كلها في الفوضى باستهداف ربيبة اميركا وهذا يعني اطلاق المواجهة الشاملة والتي سيكون لها آثار مدمرة على الكيان اليهودي .
والسؤال هنا : هل تستطيع المقاومة واقعياً ان تُطلق المواجهة الشاملة او أنّ الأمر مجرد ضغوط في سياق الحرب النفسية ؟
والجواب انّ العدو قبل الصديق يعرف انّ ما اعلنه السيد نصرالله ليس سياقاً من سياقات الحرب النفسية ، لا بل هو تهديد علني يستند الى مكامن القوة التي تملكها المقاومة في لبنان ويملكها المحور في كل المنطقة وهذا يعني ان المواجهة ستكون شاملة وستُدخل المنطقة كلها في المواجهة وستتحول جغرافيا الإقليم برمتّه الى مسرح عمليات ليس بمقدور كيان العدو بالتأكيد تنفيذ استجابة سريعة ومستدامة لطبيعة التهديدات المطروحة خصوصاً ان نظرية زنّار النار التي اطلقها الشهيد القائد عماد مغنية باتت عاملاً واقعياً ، فالصواريخ في لحظة انطلاق المواجهة الشاملة ستتساقط على كيان العدو من اليمن جنوباً الذي يمتلك صواريخ وطائرات مسيرة قادرة على قطع مسافات تتجاوز ال 2000 كلم ، ومن سورية والعراق شرقاً ، ومن لبنان شمالاً ، ومن غزة غرباً .
واستناداً الى نظرية زنّار النار والى ما تمتلكه المقاومة والمحور من إمكانيات وانطلاقاً من التحولات المتلاحقة في ميزان القوى الذي بات صاعداً بالنسبة لمحور المقاومة وهابطاً بالنسبة لكيان العدو يمكن الجزم بأن ما اطلقه السيد في معادلته الأخيرة سيكون له تداعيات ستفرض على الأميركي والكيان اليهودي التراجع خطوة الى الوراء والقيام بتقدير موقف اكثر عقلانية ولكنه لن يُلغي استمرار الهجمة على لبنان والمنطقة والتي باتت تستلزم اكثر من أي وقت مضى احتواء للأزمة البنيوية في النظام السياسي اللبناني الذي لا تزال الطبقة السياسية فيه متماسكة وممسكة بعنق البلد وهي ثغرة لا بد من ردمها وتحتاج الى متغيرات في الإقليم والعالم غير متوفرة بالكامل حتى اللحظة .
وربطاً بما اعلنه سماحة السيد نصرالله لا يعني ان الواقع اللبناني المنقسم سيكون عائقاً بوجه المعادلة الجديدة لا بل يمكن ان تكون عاملاً ايجابياً لأن استمرار الأميركي بضغوطه واخذ الأمور نحو الفوضى الشاملة سيعني بوضوح تنفيذ المقاومة لضربة قاصمة تُنهي النفوذ الأميركي وتُنهي نفوذ اتباعه ، فهل يلتقط الأميركي التهديد الواضح للسيد ويتراجع ، او ان الفوضى الشاملة ستنطلق ولا مجال لكبحها ؟
هذا السؤال برسم الأيام القادمة مع تأكيدي ان الأميركي سيتراجع مرحلياً لإدراكه قبل غيره ان المعادلة الجديدة جدية وواقعية وليست مزحة وحرب نفسية .