عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية – رئيس تحرير موقع المراقب
لم يكن زلزالاً عادياً، يقول الجيولوجيون أنّه الأقوى خلال مئة سنة، لم يستأذن تركيا ولا استأذن سورية، لم يميز بين موالٍ ومعارض، ضرب الجميع وكان وقعه كالصاعقة، هدم الأبنية وأزهق الأرواح، أرجف القلوب وحوّل الجميع الى ضعاف.
فطر قلوب الغالبية من البشر على وجه المعمورة إلاّ وحوش الإدارة الأميركية والغرب الجماعي الذين يصرّون على إبراز توحشهم على الرغم من أنّ الحدث عظيم لدرجة يفرض حتى على الوحوش ان تستحي، ولم يستحوا .
منذ الساعات الأولى للزلزال الكارثة بدأنا نتلمّس فجور الغرب الجماعي في التعاطي مع نتائج الزلزال، وكان الإصرار على التمييز بين سورية وتركيا واضحاً شديد الوضوح، على الرغم من أنّ تركيا تمتلك إمكانيات كبيرة مقابل ضعف هذه الإمكانيات لدى الدولة السورية بسبب الحرب الكونية التي تواجهها منذ 12 عاماً.
بعد أيام أصدرت الإدارة الأميركية توضيحاً بأن إجراءات قانون قيصر سيتم تجميدها لمدة 180 يوم واستثنت من التجميد بعض البنود .
ومع تصاعد الدعوات لفك الحصار ووقف العقوبات على سورية التي شكّلت إحراجاً كبيراً للإدارة الأميركية اضطرت هذه الإدارة الى تجميد بعض البنود في القانون والإبقاء على أخرى.
في كل الأحوال من المهم التوضيح استناداً الى مسار الصراع مع أميركا ان تجميد بعض بنود القانون لا يعدو كونه سلوكًا اضطراريًا ستجهد أميركا على عدم الأخذ به من خلال الكثير من المناورات التي تجيدها وتمتلك خبرة واسعة فيها .
وارتبطًا لا بد من القول ان ما تسميه اميركا قانونًا هو إجراء لا علاقة له بالقانون وتحديدًا منه ما يتعلق ببنود القانون الدولي وهو بالضبط إجراء قامت به دولة تقود الحرب على سورية ووفرت لها إمكانيات هائلة ولا تزال.
اذن المنطق الذي يجب ان نقارب به قيصر اميركا هو منطق الصراع بين أعداء وليس منطق القانون بأبعاده وإجراءاته ومساراته .
وقوة قيصر تنبع في الحقيقة من عامل أساسي وهو تبعية الكثير من الدول لأميركا وتحكُّم أميركا بسوق المال وقدرتها على حجز أموال الدول والمؤسسات والأفراد ما مثّل قدرة على جعل قيصر إجراء فاعل.
في المقابل لا بدّ من التأكيد على انّ قيصر قد تم دوسه من قبل الشعوب قبل الدول على الرغم من ان مبادرات سريعة صدرت من لبنان الشعبي بداية ومن ثم الرسمي ومن الأردن ومن العراق ومن الإمارات العربية المتحدة والجزائر كبلاد عربية توازت معها مبادرات أخرى من روسيا وايران والعديد من الدول الصديقة لسورية.
هذه المبادرات بالتأكيد شكلت مسارًا يمكن التعويل عليه في المرحلة الحالية وخلال الشهور الستة القادمة لجهة تمرير ما يجب تمريره من إمكانيات للتخفيف من نتائج الزلزال خصوصًا ان المتطلبات تتجاوز قدرات سورية وخصوصًا عندما نتكلم عن عدد يقارب ال 5 ملايين نسمة بدأ الحديث عن تصنيفهم كمشردين وهو عدد مهول سيزيد من الضغوط والأعباء على الدولة السورية .
من المؤكد ان اميركا ورغم تجميدها لقيصرها ستعمل جاهدة لإبقاء الضغوط من تحت الطاولة على الدول التي هبّت لمساعدة سورية بعدم تجاوز المساعدات ما هو مرتبط بالوضعية الطارئة الناتجة عن الزلزال بحيث تبقى تأثيرات قيصر قائمة.
لكن بالنظر الى ردات الفعل الإيجابية وخصوصاً المبادرات الشعبية في لبنان والأردن والعراق، يمكن القول ببساطة ان استمرار هذه المبادرات وتطوير سلوكها واجراءاتها يمكنه ان يساعد كثيرًا في جعل الوضع السوري افضل واكثر قدرة على الإستمرار في المقاومة .
أمر نهائي يجب عدم تجاهله وهو الزلزال الكبير في الجيوبوليتيك (الجغرافيا السياسية) الذي يحدث في الإقليم وفي العالم بنتيجة التحولات المنجزة سابقاً بواسطة دول وقوى محور المقاومة والتحولات التي تنجزها روسيا منذ سنة في مواجهة الهيمنة الأميركية التي اجزم انها بدأت تعاني من تراجعات كبيرة، مقابل تقارب ملموس بين ايران والسعودية، وسورية وتركيا ووجود حالة من المتغيرات ولو البطيئة لدول الخليج، ليأتي زلزال الطبيعة ويساعد في التقريب اكثر بين دول المنطقة على أمل ان ننتقل بشكل اسرع من مرحلة الإشتباك المكلفة الى مرحلة التشبيك التي باتت ضرورة للخروج من الأزمات الكبرى وهو ما سيجعل قيصر اميركا مجرد حبر على ورق مع الأخذ بعين الإعتبار ان قيصر تم سحقه تحت اقدام الشعوب وكسر كل خطوطه الحمراء بهذه الإندفاعة العاطفية التي كنا حتى لحظة ليست بالبعيدة ننعيها ونعتقد انها لن تعود ابداً.
المصدر : https://www.sabahelkheyr.com/?p=3106