عمر معربوني | كاتب وباحث في الشؤون العسكرية
مواضيع العرض: حقيقة مجزرة مدينة بوتشا ـ لماذا انسحب الجيش الروسي من الجبهة الشمالية ؟
حقيقة مجزرة مدينة بوتشا
شهد يوم 3 نيسان/ أبريل 2022 توزيعاً غير محدود لفيديو يُظهر مجموعة من القتلى في انحاء متفرقة من شوارع مدينة بوتشا شمال غرب العاصمة كييف، واتهام الوحدات الروسية بافتعال مجزرة بالسكان الآمنين، علماً ان الوحدات الروسية سيطرت على المدينة منذ حوالي ثلاثة أسابيع، ولم تشهد خلالها أي انتهاكات بشهادة رئيس بلدية بوتشا نفسه الذي ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي وتحدث عن انسحاب الجيش الروسي دون ان يشير الى أي انتهاكات او مجازر لا من قريب ولا من بعيد.وبمتابعة وسائل الإعلام المعادية لروسيا نلاحظ إجماعاً على رواية المجزرة ومسؤولية الجيش الروسي عنها، بموازاة حملة غير مسبوقة لشيطنة الجيش الروسي وتقديمه للرأي العام العالمي ان وحداته مجرد عصابات إجرامية ترتكب المجازر أينما حلّت، وهو ما حصل عبر فبركة فيديو لقتلى في شوارع مدينة بوتشا شمال غرب العاصمة كييف، والتي انسحبت منها الوحدات الروسية بتاريخ 30 آذار/ مارس أي قبل أربعة أيام من نشر الفيديوالمفبرك، دون ان تظهر على الجثث علامات التيبس والإنتفاخ وتخثر الدم التي تظهر عادة بعد أيام من الموت، ما يعني ان الموت حصل قبل التصوير بمدّة قصيرة، خصوصاً اذا ما ربطنا الأمر بفيديو صوّره عناصر مجموعة المتطرف الأوكراني “سيرغي كورتكيخ” الملقب بـ “بوتسمان”، وهم يطلبون الموافقة على قتل الأشخاص الذين يضعون الشارة البيضاء على زنودهم، وهي الشارة التي تظهر على زنود القتلى في الشوارع، ما يعني ان الوحدات المتطرفة هي من قامت بالقتل، وصوّرت والصقت التهمة بالجيش الروسي لتتولى وسائل الإعلام المعادية لروسيا بتوزيع الفيديو على نطاق واسع، مع الإشارة الى انّ فيديو تعذيب وقتل الأسرى الروس على ايدي المتطرفين تم طمسه وحظر توزيعه إضافة الى الكثير من الفيديوهات التي تشبهه في المضمون.ما يحصل في هذا الجانب هو دليل واضح على شراسة الحرب الإعلامية والنفسية التي تُخاض ضد روسيا، والتي تواكب كل اشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي للجيش الأوكراني والوحدات المتطرفة.كما من المفيد التذكير بأن هذا النوع من الفيديوهات كان جزءاً من الحرب على سورية وليبيا والعراق وفي كل مناطق الصراع التي تديرها المخابرات الأميركية.ان الهدف من الإشارة الى هذه المسألة يرتبط بإبراز طبيعة المواجهة واطرافها وعلى رأسهم اميركا التي لا تُخفي عداءها لروسيا، وهي في الحقيقة المعركة نفسها بين النيوليبرالية المتوحشة بإدارة أميركية وبادوات مختلفة بمواجهة منظومة تحاول إحلال المبادىء والقيم مكان منظومة النهب والتوحش.
لماذا انسحب الجيش الروسي من الجبهة الشمالية؟
تقول الرواية في الإعلام الغربي انّ انسحاب وحدات الجيش الروسي من الجبهة الشمالية جاء كنتيجة للمقاومة العنيفة للقوات الأوكرانية، وبسبب الهجمات المرتدّة التي الحقت بالوحدات الروسية خسائر كبيرة، ووصلت بعض الجهات ومن ضمنها البنتاغون الأميركي الذي تروج مصادره ان الذين سقطوا من الجيش الروسي يتجاوزون الـ 40 الف بين قتيل وجريح، وهي ارقام لا يمكن الركون لها لأنها تخالف ابسط قواعد العلم العسكري، فالعدد المذكور يقارب ثلث عدد الجنود الروس الذين يشاركون في العملية العسكرية داخل أوكرانيا، فلو ان العدد صحيح لكنا امام سقوط مريع للقيادة السياسية الروسية وعلى رأسها الرئيس بوتين.في المقابل كنا امام تصريح واضح لوزارة الدفاع الروسية تعلن فيه مباشرة بعد انتهاء جولة المفاوضات في تركيا بأن الجيش الروسي سيوقف العمليات على جبهتي كييف وتشيرنيغوف بشكل جذري.وتفسير الوقف الجذري كان بالنسبة لنا كخبراء يعني في الحد الأدنى إعادة تموضع، يليها انسحابات لم يكن بمقدور احد تحديد حجمها، الى ان تأكد اليوم انسحاب الجيش الروسي من كامل الجبهة الشمالية والغربية والشرقية للعاصمة كييف، بما فيها انسحاب الوحدات من محيط مدينة سومي وصولاً حتى مشارف خاركوف الشمالية.
في التحليل المنطقي نحن امام احتمالين:
1ـ ان تكون القيادة الروسية قد حققت أهدافها من العملية المرتبطة بإخضاع القيادة الأوكرانية والزامها بتقديم تنازلات سياسية، وهو ما حصل فعلاً من خلال تقديم الورقة الأوكرانية بقبول القسم الأكبر من المطالب الروسية.
2ـ وجود اتفاق ضمني غير معلن بين القيادتين الروسية والأوكرانية على تنفيذ الانسحاب كبادرة حسن نية روسية لتشجيع الجانب الأوكراني على مزيد من التنازلات، والإيحاء من قبل الجانب الروسي انه يمكن ان يكون ضامناً جدياً يفي بتعهداته التي يتعهد بها وهو ما يرتبط بالمستقبل ما بعد توقيع اتفاق محتمل. مع التأكيد على قدرة الجيش الروسي على العودة الى الأماكن التي انسحب منها وبشكل سريع بعد تراجع قدرات الجيش الأوكراني اذا ما وصلت المفاوضات الى طريق مسدود.
استناداً الى كل ما ورد تسود القناعة لدى الكثير من الخبراء ان أميركا لن ترضى بالوصول الى اتفاق ينهي الحرب، وبالتالي سنكون امام احتمال كبير بمواصلة العمليات بشكل سريع وبوتيرة عالية جداً.
خاص موقع العهد الإخباري