تقدير موقف لعمليات الجيش الروسي – اليوم 30
عمر معربوني | باحث في الشؤون العسكرية
تقييم شهر من العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا .
بمرور شهر على بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا لا بدّ من استعراض اهّم ما تحقق من أهداف هذه العملية وبشكل موجز ضمن عناوين أساسية استناداً الى خريطة السيطرة العسكرية في أوكرانيا .
- بداية ونتيجة للخلط بين المصطلحات المُستخدمة في تعريف العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا من المهم التأكيد ان ما يحصل هو عملية عسكرية خاصة ذات أهداف محدّدة وليست حرباً او إجتياحاً سينتج عنه احتلال دائم او ضم لأوكرانيا الى الإتحاد الروسي ، بالإضافة الى انّ العملية تندرج ضمن مفهوم المعركة الإستباقية وهو ما تمّ تأكيده اليوم في الإيجاز اليومي الذي تجريه وزارة الدفاع الروسية لجهة تقديمها وثائق موقّعة من رئيس الحرس الوطني الأوكراني موجّهة الى قيادة الجبهتين الشرقية والجنوبية بالمباشرة بعملية هجوم واسعة على إقليم الدونباس بتاريخ 28 شباط الفائت وهو الأمر الذي يُثبت معلومات الإستخبارات الروسية والتي تمّ الإعلان عنها مع بداية العملية ما يعني انّه من وجهة النظر الروسية فإن ما يحصل هو عملية دفاعية بإجراءات هجومية ترتبط بالحفاظ على الأمن القومي الروسي الذي من أجله بدأت العمليات التي ستستمر حتى تحقيق الأهداف بشكل كامل .
- في تعريف آخر لا بدّ منه لفهم مسار العملية وهو يرتبط بتعريف الإنتصار والهزيمة ، فالإنتصار لا يعني ابداً قتل جميع افراد القوّة المسلّحة ولا تدمير البنية التحتية للعدو التي تشكل مسرح العمليات العسكرية وانما تحقيق الأهداف المُعلنة ضمن الخطة الموضوعة من قبل القيادة العسكرية التي تُدير العمليات .
وفي الحالة الحالية التي تخص العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا لم تحدد بيانات وزارة الدفاع الروسية مساراً زمنياً محدّداً لإنهاء العملية بل ربطت ذلك بتحقق أهدافها .
ولإجراء تقييم موضوعي لنتائج سير العملية حتى اللحظة لا بدّ من استعراض اهداف العملية وماذا تحقق منها بمرور شهر على انطلاقها .
- ان مقاربة العملية ببعد لحظي هو خطأ يقع فيه البعض من الخبراء والمتابعين في الدلالة على النتائج خصوصاً ان الجهات المعادية لروسيا تخوض مواجهة سياسية واقتصادية وإعلامية غير مسبوقة مصحوبة بحملة واسعة لإيصال الأسلحة الى الجيش الأوكراني بهدف إطالة زمن العملية ، فهناك غالبية من الخبراء تتحدث ان العملية الروسية هي فخّ دبّرته اميركا لإغراق روسيا في المستنقع الأوكراني ومن ثم استنزافها واسقاطها من الداخل بنتيجة الوضع الاقتصادي الذي سيتفاقم من وجهة نظر اميركا والغرب ويؤدي الى مصاعب كبيرة في الاقتصاد الروسي ومعيشة الشعب الروسي الذي تراهن اميركا على انتفاضه بوجه الرئيس فلاديمير بوتين ، في حين يذهب البعض الى تمني انقلاب عسكري يطيح بالرئيس بوتين ويأتي ببديل موالٍ للغرب ، وعليه فإنّ أي تقييم للعملية يجب ان ينطلق ارتباطاً ممّا تحقق من أهداف .
لحظة إعلانه عن العملية العسكرية الروسية اعلن الرئيس بوتين بشكل واضح اهداف العملية المتمثلة بـ :
- حماية إقليم الدونباس عبر الإعتراف قبل العملية بجمهوريتي لوغانسك ودونييتسك وهو ما يمكن القول انه هدف على وشك التحقق حيث باتت اكثر من 90% من أراضي الجمهوريتين تحت سيطرة القوات الشعبية لإقليم الدونباس ويتم تطوير العمليات بشكل يومي في اتجاه الغرب والجنوب الغربي والشمال الغربي لتحقيق السيطرة على مدن سفرودينسك المطوقة من ثلاث اتجاهات وكراماتورسك التي بدأت عملية تطويقها من مدينة ايزيوم شمالاً وغورليفكا جنوباً ، في حين ان مدينة ماريوبول المحاصرة باتت قاب قوسين من السقوط وبذلك يمكن القول ان كامل إقليم الدونباس سيكون تحت السيطرة بعد اطلاق العمليات اللاحقة في المرحلة الثانية من العمليات .
- نزع سلاح أوكرانيا وهو ما يتحقق بشكل متواصل حيث بات سلاحي الجوي والبحرية التابع للقوات المسلحة الأوكرانية مدّمراً او معطوباً وكذلك منظومة الدفاع الجوي الأوكرانية والفرق والألوية المدرعة التي فقدت اكثر من نصف دباباتها وعرباتها المدرعة .
سلاح المدفعية والصواريخ ايضاً تضرر بشكل كبير حيث بات تشغيل بطاريات المدفعية والراجمات محفوفاً بالمخاطر بنتيجة السيطرة الجوية الروسية التي تستطلع بشكل دائم أماكن تمركز قطع المدفعية والراجمات .
إضافة بالطبع الى فقدان القيادة العسكرية الأوكرانية قدرة السيطرة الكاملة بسبب استهداف غالبية مراكز القيادة والسيطرة وستفقد قريباً القدرة على تحريك القوات بسبب الإستهداف المنتظم لمستودعات الوقود والذخيرة لحرمان القوات الأوكرانية من إمكانية استخدام المركبات العسكرية بمختلف أنواعها .
- منع أوكرانيا من الحصول على فرصة تصنيع السلاح النووي وهو ما تعمل روسيا عليه عبر سيطرة الوحدات الروسية على المحطات النووية التي تحكم سيطرتها على اثنتين منها وهما محطة تشيرنوبل وزابوروجيا وتعمل للسيطرة على باقي المحطات حيث تتمركز الوحدات الروسية على بعد 20 كلم من محطة يوزنو كرانسك التي من المتوقع تطوير العمليات باتجاهها بعد استكمال السيطرة على مدن سفرودينسك وكراماتورسك وماريوبول حيث ستحرر السيطرة عدداً كبيراً من الوحدات الروسية والتي سيتم العمل على زجها في المعارك القادمة .
- منع أوكرانيا من الإنضمام لحلف الناتو وهو الأمر الذي وان كان متاحاً ولو بنسبة ضئيلة قبل العملية اصبح امراً مستحيلاً بعدها ، لأن انضمام أوكرانيا للناتو يعني اندلاع حرب عالمية ثالثة مدمرة وهو ما لا يرغب به احد سواء روسيا او الغرب .
- اجتثاث النازية من أوكرانيا وهو الهدف الأصعب حيث يرتبط تنفيذ المهمة بعمل طويل الأمد بالشراكة مع القيادة الأوكرانية التي سيكون من ضمن مهامها بعد توقيع وثيقة الإستسلام او وثيقة السلام العمل على اصدارالقوانين التي تحظر وجود المجموعات المتطرفة وتمنع كل اشكال العداء لروسيا .
انطلاقاً من هذا العرض يمكن القول ان العملية العسكرية الروسية تسير بشكل جيد خصوصاً انها تُنّفذ بعدد محدود من الوحدات القتالية لا يتجاوز ال 130 جندي بمن فيهم وحدات الدعم المختلفة على ثلاث جبهات واسعة وبمواجهة جيش كان يعتبر من بين اهم اربع جيوش في أوروبا .
في المرحلة الثانية من العمليات والتي من المتوقع ان تبدأ قريباً سيفقد الجيش الأوكراني القدرة على تنفيذ عمليات مواجهة واسعة وسنكون امام شكل مختلف من القتال سنبقى واياكم على اطلاع يومي على مسارات الميدان للإحاطة بكل جديد .
خاص موقع العهد الإخباري