عمر معربوني | كاتب وباحث في الشؤون العسكرية
السؤال البديهي المطروح في التداول على مستوى العالم أجمع: هل فشلت روسيا في تحقيق اهداف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا؟
الجواب الآتي من اميركا والغرب هو نعم فشلت روسيا في تحقيق أهدافها الرئيسية، وهي تنزلق يوماً بعد يوم في مستنقع أوكرانيا الذي سيقضي على روسيا، ويأخذها الى مصير مشابه لمصير الإتحاد السوفياتي.
يستند الخبراء في اميركا والغرب الى معلومات الإدارات السياسية في بلدانهم لذلك تأتي التحليلات بعيدة عن الموضوعية، وتهدف في الدرجة الأولى الى ابراز مشهد محدد هو الهزيمة الروسية في أوكرانيا.
موضوعياً نستطيع القول ان العملية الروسية، وبتاء لأسباب تتعلق بالقيادة الروسية انتقلت من مرحلة الوتيرة السريعة في العمليات التي تحققت في المرحلة الأولى، الى مرحلة بات البطء في حركة الوحدات الروسية نمطاً متّبعاً، لكن لا احد يستطيع الادعاء ان العملية فشلت، فبما يرتبط بنزع سلاح أوكرانيا وتحديداً منه السلاح الإستراتيجي المؤثر، فمعطيات الميدان وحدها تشير بشكل واضح الى حقائق ترتبط بضرب قدرات الأسلحة الرئيسية لأوكرانيا، وتحديداً أسلحة الجو والبحر والمدرعات والتي لا يمكن إعادتها الى وضعها السابق في ظل حالة الإشتباك، والمحظورات التي رسمتها روسيا والتي لن يتجرأ الغرب على انتهاكها، ونحن هنا نتكلم عن أسلحة كالطائرات والقطع البحرية ودبابات القتال الرئيسية الحديثة، فعلى الرغم من الحديث المستمر في الغرب عن ضرورة تزويد أوكرانيا بمعدات يمكن ان تأخذ الأمور نحو التماس المباشر بين روسيا وحلف الناتو.
من المؤكد ان الجيش الروسي واستناداً الى تجربته في مدينة ماريوبول لن يكرر نمط المواجهة السابقة لسببين:
1ـ الكلفة العالية في الأفراد والمعدات وما تستهلكه من قدرات مالية بشكل خاص.
2ـ رغبة الجانب الروسي بإبقاء المدن التي سيدخلها في حالة سليمة الى حد كبير بما فيها من تجمعات سكنية ومنشآت ترتبط بالبنية التحتية المدنية.
لهذا اعتقد ان الجيش الروسي باستثناء مناطق إقليم الدونباس التي سيُبقي فيها على النمط الحالي، سيعتمد تكتيك الحصار وإبقاء المعارك خارج المناطق الحضرية والسبب ان غالبية مناطق شرق أوكرانيا ستطالب بعد سيطرة روسيا عليها باستفتاءات تدعو الى الإنضمام للاتحاد الروسي وما سيترتب عن ذلك من تداعيات سلبية على أوكرانيا وتحديداً في الجانب الاقتصادي.
والمعروف ان الجيش الروسي عملياً سيُنهي معركة ماريوبول دون قتال عبر حصار من تبقى من مقاتلين، وبذلك نستطيع القول ان قدرة أوكرانيا على استخدام بحر آزوف ستصبح صفراً، وكذلك بالنسبة الى شواطىء البحر الأسود التي تسيطر روسيا على نصفها حتى اللحظة.
انطلاقاً من السيطرة على الشواطىء التي ستحرم أوكرانيا من أي اطلالة عليها سسيترتب على أوكرانيا إيجاد ممرات بديلة لتصدير منتوجاتها التي تصدر 85% منها من موانيء بحر آزوف والبحر الأسود.
بالنسبة لإنضمام المناطق التي سيسيطر عليها الجيش الروسي وهو امر محتوم بتقديري سواء تم التفاهم بين روسيا وأوكرانيا او مع استمرار حالة الإشتباك، فالمناطق المسيطر عليها حتى اللحظة هي في غالبيتها ترتبط تاريخياً ووجدانياً بروسيا الأم.
اذا ما تمت هذه التحولات فإن أوكرانيا ستتحول الى دولة بلا شواطىء وستصبح تحت رحمة الإتحاد الروسي اقله بما يرتبط ب 50% من اقتصادها وهو ما سيضعفها اكثر.
ان هذه المقاربة السريعة لواقع حال أوكرانيا في المستقبل يعني ان روسيا ستتجاوز سقف أهدافها عبر تحوُّل أوكرانيا الى دولة فاشلة ولا سبيل لقيامتها الا بتفاهم حقيقي مع روسيا، فالغرب من خلال تجارب الدول والشعوب معه لا يفي بوعوده ودائماً يتخلى عن حلفائه وهذا يعني انه بعد فترة من الزمن سيستفيق الغرب وعلى رأسه اميركا على مشهد جيوسياسي جديد لا مكان فيه لكل اشكال البروباغندا وادواتها.
خاص موقع العهد الإخباري