عمر معربوني | كاتب وباحث في الشؤون العسكرية
مواضيع العرض: وجهة الجيش الروسي بعد السيطرة على ماريوبول
منذ حسم الجيش الروسي لمعارك جمهورية الشيشان ومشاركته المحدودة على مستوى القوات سواء الجوية او البحرية والبرية في سورية والتي يمكن وصفها بالعمليات التكتيكية وفي بعض الأحيان العملياتية، لم ينفذ الجيش الروسي عمليات ذات طابع استراتيجي شامل الاّ في أوكرانيا عبر العملية العسكرية الخاصة التي لا تزال مستمرة منذ 48 يوم.
حتى اللحظة لا احد يستطيع القول ان البعد الإستراتيجي للعملية قد تم الوصول اليه، الاّ ان نجاحات عملياتية وتكتيكية واسعة قد تمّ تحقيقها، وفي الحدّ الأدنى ان وحدات الجيش الروسي تقاتل على الأرض الأوكرانية، وهذا بحد ذاته ربطاً بما تم الإعلان عنه بأن الجيش الأوكراني كان ينوي في 28 شباط/ فبراير 2022 مهاجمة إقليم الدونباس يُعتبر تقويضاً للخطة الأوكرانية ونسفاً لها، وانقلاباً في المشهد باتت فيه الأمور لمصلحة الجيش الروسي.
في سورية نفّذت وحدات الجيش الروسي الى جانب الجيش العربي السوري وحزب الله وقوات رديفة أخرى عمليات ذات طابع عملياتي وتكتيكي ولكن بنتائج استراتيجية، كما حصل في حلب حيث انتجت معركة تحرير الأحياء الشرقية لحلب متغيرات جيوسياسية كبيرة، ومهّدت الطريق لعمليات واسعة في اتجاهات البادية المختلفة، والغوطتين الشرقية والغربية والجنوب السوري والقلمون الغربي والشرقي ادّت في النهاية الى حصر الجماعات الإرهابية في ارياف ادلب وحلب الغربية ما حرمها قدرات الحركة والمناورة، وتالياً التأثير في المشهد العام للمواجهة وقلّص قدراتها الى الحد الأدنى الذي يمكن معه القول بأن زمن المعارك الكبيرة قد انتهى.
والسبب في هذه المقدمة هو ان لكل قائد نمطه الخاص في التخطيط وإدارة الميدان يأتي تعيين الفريق اول الكسندر دفورنيكوف قائداً للعملية الروسية في أوكرانيا، وهو الذي قاد مجموعة القوات الروسية في سورية لفترة طويلة، وعليه فإن المقاربة المرتبطة بنتائج المواجهة في سورية ترتبط بشكل وثيق بما يمكن ان يفعله الفريق اول دفورنيكوف في أوكرانيا اعتماداً على تجربته التي اعتمدت نمط التطويق والإطباق والقضم عبر احاطات واسعة من خلال المناورة بالقوات والقدرات النارية، والتركيز على بقعة قتال واحدة ومشاغلة العدو على المحاور الباقية ومن ثم الإطباق عليه واجباره على الفرار او الإستسلام.
وما نتحدث عنه في الحقيقة هو نتاج خبرات متواصلة لجهود كبيرة ومكلفة يمكن تسميتها بالمدرسة العسكرية المشتركة والتي ضمّت قادة مخططين من سورية وايران وروسيا وحزب الله.
في سورية كانت القوات الجوـ فضائية الروسية وسلاح الصواريخ الإستراتيجي قوّة الدعم الناري الضاربة، الاّ ان هذه القوة لم تكن لتفعل شيئاّ لولا قدرات التخطيط والقيادة لضباط سوريين وايرانيين وقادة من حزب الله .
وعلى الرغم من ان مشاركة القوات البرية الروسية اقتصرت على بعض وحدات القوات الخاصة، الاّ ان التوثيق الذي قامت به القوات الروسية لتجارب القتال على مختلف المحاور يمكن ملاحظته في حركة القوات الروسية في أوكرانيا، وخصوصاً الإستخدام المشترك للدبابات وعربات المشاة والقوات الخاصة في مدينة ماريوبول التي باتت تحت سيطرة الوحدات الروسية باستثناء منطقة معمل آزوف ستال بعد تحقيق السيطرة على كل احياء المدينة والمرفأ والمطار.
ولأن معركة ماريوبول باتت شبه منتهية وربطاً بما توفّر من معلومات فإن المعارك القادة لن تقتصر على تحرير إقليم الدونباس، وسيتم العمل على الإستفادة من تجربة ماريوبول في المدن حيث نشهد نموذجاً قريباً من ماريوبول في مدينة سيفرودونييتسك التي تقترب منها الوحدات الروسية، وحققت التماس معها على ثلاثة محاور وتعمل على تطويقها كما حصل مع ماريوبول، علماً ان سيفرودونييتسك لا تتجاوز مساحتها 30 كلم مربع في حين انّ مدينة ماريوبول تبلغ مساحتها 8 اضعاف سيفردونييتسك أي 160 كلم.
الا ان القوات الأوكرانية في سيفرودونييتسك على خلاف ماريوبول تمتلك قدرات تحصين تم انشاؤها على مدار 8 سنوات، ويمكن اعتبارها مع مدينة كراماتورسك هدفاّ ذو أولوية قصوى في مرحلة العمليات الحالية، حيث ان انجاز تحرير ماريوبول في المرحلة الحالية سيساعد في زج حوالي 15 الف جندي روسي وشيشاني من ذوي الخبرة العالية في حرب المدن لإنجاز السيطرة على سيفرودونييتسك وكراماتورسك.
في نفس الوقت وبالتزامن مع العمليات المرتقبة في سيفرودونييتسك وكراماتورسك من المتوقع تفعيل محاور منطقة مارينكا في اتجاه الغرب والشمال الغربي للضغط على القوات الأوكرانية، ومنعها من تقديم المؤازرة للقوات التي تقاتل حالياً من خلال تحصينات يتم دكها يومياً لتسهيل حركة القوات الروسية.
امّا متى تنطلق العمليات بزخم اكبر اعتقد ان نهاية الأسبوع الحالي ستكون ساعة الصفر حيث تكون ماريوبول كاملة تحت السيطرة وتبدأ عمليات تسليم المهام الجديدة للوحدات في اتجاه الهجوم اللاحقة كما هو مذكور أعلاه.
خاص موقع العهد الإخباري