تحليلات و ابحاثكتاب الموقع

كتب عمر معربوني | بين استراتيجيتي “حصان طروادة” الأميركية والدفاع النشط الروسية.. من سيربح المواجهة؟

عمر معربوني | رئيس تحرير موقع المراقب – باحث في الشؤون السياسية والعسكرية 

سنة 2018 اعلن الجيش الأميركي عن استراتيجية خارج النمط المعتاد وهي محاكاة لأسطورة حصان طروادة الذي ذُكر في ملحمتي هوميروس الشعرية الإلياذة والأدويسة التي كتبها الشاعر اللاتيني فرجيل في نهاية القرن الأول ق.م. في عهد أغسطس قيصر في روما، وهو عبارة عن هيكل أسطوري. فتروي هذه القصائد قصة حرب طروادة ورحلة أوديسيوس الطويلة إلى ايثاكا.

وارتبطت قصة حصان طروادة بأحداث نهاية الحرب، حيث استخدم الحصان الضخم كحيلة واستراتيجية عسكرية للاستيلاء على طروادة والفوز بالحرب.

وخلاصة القول ان المخططين الأميركيين وبعد تجاربهم الطويلة في مسار الحروب التقليدية اتجهوا الى استخدام استراتيجية جديدة خارج النمط المعتاد تُستخدم فيها أسلحة الجيل الرابع من الحروب  وتقتصر المشاركة الأميركية فيها على التخطيط والإدارة والدعم  على ان تدور هذه الحرب على أرض العدو  وبمكونات شعبه نفسها وهو ما فعلته اميركا قبل الوصول الى هذه الإستراتيجية في سوريا والعراق وليبيا وغيرها من البلدان تحت عنوان “الفوضى الخلاّقة”.

حالياً تخوض أميركا المواجهة في أوكرانيا تحت هذا العنوان منذ سنة 2014 بشكل فعّال وقبلها في جورجيا ومناطق أخرى محيطة بروسيا. فقد استطاعت أميركا عبر أوكرانيين متطرفين أن تدعم انقلاب 2014 عقب ثورة ملوّنة عُرفت حينها “بثورة الميدان” بعد جهد طويل من تسميم العقول بالتكافل والتضامن مع قادة أوكرانيين متطرفين واستطاعت تحويل الأوكرانيين ومعظمهم من أصول مشتركة مع الشعب الروسي إلى عدو لروسيا، بحيث يمكن القول وببساطة إن المعركة تجري بين الشعب نفسه (الروس والأوكران) وعلى أرض العدو (جغرافيًّا روسيا وأوكرانيا).

ومن المهم التذكير بمقولة بسمارك مؤسس الرايخ الألماني بخصوص روسيا حيث قال إن كسر جبروت روسيا يستلزم فصل الجغرافية الأوكرانية عن الجغرافيا الروسية لا بل تحويل أوكرانيا الى عدو لروسيا، وممّا قاله بسمارك حينها: “لا يمكن تقويض جبروت روسيا إلا عن طريق فصل أوكرانيا عنها… وليس فصلها وحسب، بل وتحويل أوكرانيا إلى عدو لروسيا.. وفي سبيل تحقيق ذلك يجب إيجاد خونة في أوساط النخبة وتربيتهم بحيث يتم وبمساعدتهم تغيير وعي الذات عند قسم من هذا الشعب العظيم إلى درجة يصبح فيها كارهًا لكل ما هو روسي، وبحيث يكره سلالته من دون أن يعي ذلك. وأما الباقي فيتكفل به الزمن”.

وهذا برأيي ما استلهمه الأميركيون بخصوص المواجهة بينهم وبين الروس على الساحة الأوكرانية حيث مهدّوا لهذه المواجهة بمجموعة كبيرة من الخطوات والإجراءات في الداخل الروسي وفي الداخل الأوكراني أدّت للوصول إلى المواجهة الحالية.

في آذار سنة 2019 أعلن رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية فاليري غيراسيموف أن البنتاغون بدأ في وضع استراتيجية جديدة للحرب تحت اسم “حصان طروادة”. وأضاف غيراسيموف حول تطور الاستراتيجية العسكرية الأميركية، أن جوهر هذه الاستراتيجية، يتلخص في الاستخدام الفعال “للطابور الخامس” وتنظيم المظاهرات والاحتجاجات، لزعزعة استقرار الوضع في البلاد، بالترافق مع قصف بالأسلحة عالية الدقة للمواقع والمنشآت الهامة جداً.

وقال غيراسيموف: “أود الإشارة إلى أن، روسيا مستعدة لمنع تنفيذ أي استراتيجية من هذا النوع”.

وأكد أن العلماء العسكريين الروس قاموا في السنوات الأخيرة، بالتعاون مع هيئة الأركان العامة في الجيش الروسي، بوضع وتصميم مسالك محددة للتصدي لأية أعمال عدائية من جانب الخصوم المحتملين وتحييد المخاطر المترتبة على ذلك.

وقال: “في أساس ردنا، توجد استراتيجية الدفاع الفعّال (النشط)، التي تنطلق من الطبيعة الدفاعية للعقيدة العسكرية الروسية. وهي تتضمن مجموعة من التدابير الاستباقية لإبطال مفعول التهديدات لأمن روسيا”. وأشار إلى أن ذلك يعتبر أحد الاتجاهات الأولية في مجال ضمان أمن الدولة. وقال: “يجب أن نسبق الخصم بخطوات على طريق صياغة الاستراتيجية العسكرية”.

على المستوى العملي أطلقت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا والتي تُعتبر في التوصيف العسكري عملية دفاعية استباقية لإنطباق شروط التهديدات المتعلقة بالأمن القومي الروسي سواء بما حصل من متغيرات في هيكلية النظام الأوكراني والتي اتجهت اتجاهات عدائية تجاه روسيا مضافا اليها ابداء الرغبة بالإنضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، أو بما يرتبط بالإجراءات الأميركية داخل أوكرانيا وفي الدول المجاورة لروسيا من خلال زيادة حجم الوجود العسكري الأميركي وتوضيع أسلحة صاروخية متوسطة المدى يمكنها أن تطال موسكو قبل تفعيل آلية الرد الروسية وهو ما تعتبره روسيا تهدياً خطيراً يطال امنها القومي ولا يمكنها السكوت عنه.

وبالعودة إلى بسمارك الذي اختار توحيد المانيا بالحديد والنار يحاول البعض من منظّري الغرب القيام بمقاربة لتشبيه ما يفعله الرئيس بوتين في أوكرانيا بما فعله بسمارك لتوحيد المانيا، بفارق أن بسمارك استخدم قوى وموارد ضخمة لتحقيق أهداف محدودة، في حين أنّ الرئيس بوتين يستخدم قوى وموارد كبيرة لتحقيق أهداف كبيرة وهنا يكمن الخطأ الغربي في المقاربة بالنظر الى طبيعة وكيفية استخدام القوى والموارد الروسية التي يتم زجها بالتدريج وليس دفعة واحدة وهي برأيي منهجية تجريبية فاعلة تتناسب مع مراحل الصراع. ففي حين وضع الغرب جلّ موارده في خدمة المواجهة، لم تستخدم روسيا الاّ القدر الضئيل من امكانياتها على المستويات العسكرية والإقتصادية والتعبوية، وهو ما تجب متابعته بدقة للخروج بخلاصات أكثر وضوحاً لمسار الحرب التي حقّقت فيها روسيا أغلب أهدافها دون الإضطرار الى زج الكثير من الموارد والإمكانيات.

وقد يسأل البعض ماذا حقّقت روسيا؟ وعلى عجالة نقول: استعادت روسيا حتى اللحظة حوالي 106 الآف كلم مربع في أربع مناطق (لوغانسك – دونيتسك – زاباروجيا – خيرسون) وتستكمل السيطرة على ما تبقى منها تحت السيطرة الأوكرانية.

وهنا لا بدّ من التذكير بأن حوض الدونباس يحتوي أكبر مناجم الفحم والمعادن بينما تحتوي زاباروجيا وخيرسون على القسم الأكبر من الأراضي الإستراتيجية الزراعية. إضافة الى أن روسيا باتت تسيطر على كامل شواطيء بحر آزوف و50 % من شواطيء أوكرانيا على البحر الأسود.

ومن تابع جواب الرئيس بوتين على سؤال أحد المشاركين في منتدى فالداي حول اذا ما كان يرغب في زيارة مدينة اوديسا؟ ليجيبه: “أوديسا من أجمل المدن الروسية”، يدرك الرغبة في استكمال الوصول الى مقاطعة اوديسا وممرها الإجباري مقاطعة نيكولاييف وهو ما يفسر الهيستيريا الأوكرانية بتكرار الهجمات على خيرسون التي تعتبر قاعدة الإرتكاز الأساسية لأي عمليات لاحقة نحو نيكولاييف واوديسا.

عمر معربوني

رئيس تحرير موقع المراقب - باحث في الشؤون السياسية والعسكرية - خبير بالملف اللبناني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى