كتب عمر معربوني | الردّ الإسرائيلي الباهت وتهاوي قدرة الردع

عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية

بداية لا بدّ من الإشارة الى انّ المسببات التي ادّت الى التصعيد الاسرائيلي الأخير على الجبهتين اللبنانية والفلسطينية لا تزال قائمة، وهذا يعني ان المرحلة تندرج ضمن السياق المشوب بالحذر، وهي حالة تؤشر الى إمكانية اندلاع المواجهة في أي لحظة وهو ما تعرفه جيداً كافّة اطراف الصراع.

حالياً يمكن الجزم بأن الممارسات الصهيونية في المسجد الأقصى باتت السبب الأول للتوتر، وبالتالي  فإنّ استمرار وتصاعد التوحش الصهيوني سيؤدي بلا جدال الى التصعيد في البعدين العسكري والأمني.

إن الإشارة إلى السبب الأول للتصعيد لا يُلغي السبب الرئيسي للصراع، وهو احتلال فلسطين المحتلّة التي تشكّل بالنسبة للعرب والمسلمين القضية المركزية، والتي لن ينتهي الصراع الا بزوال الكيان الذي بات توصيفه بالمؤقت عند قوى ودول محور المقاومة انطلاقاً من المتغيرات الكبيرة في مسارات الصراع وموازين القوى الصاعدة لقوى المحور، وتراجع قدرات الردع لدى الكيان وعلى رأسها القدرات العسكرية والأمنية وهو ما لا يمكن لعاقل التنكر له.

اما بالنسبة للتطور الذي حصل البارحة والذي تمثّل باطلاق صليات صاروخية من جنوب لبنان فهو حدثٌ لم يحصل للمرّة الأولى بل هو حدث متكرر، لكن الجديد فيه هو عدد الصواريخ التي أُطلقت.

حتى اللحظة لم تتبنَّ أي جهة اطلاق الصواريخ وهو ما يمكن ادراجه تحت مسمّى الغموض البنّاء لأسباب أرادها من اطلق الصواريخ ان تشكّل منطلقاً لإحداث خلل في قدرة التقييم الإسرائيلية، وتالياً ارباك الأجهزة الإستخباراتية الصهيونية وتصعيب عملية اتخاذ القرار وهو ما جعل الردّ المعادي يتأخر في لبنان الى الرابعة فجراً أي بعد مرور 12 ساعة على عملية اطلاق الصواريخ.

المربك بالنسبة للإسرائيليين كان التعاطي مع عملية الإطلاق والردّ عليها بحذر، كونها أُطلقت من لبنان والتي ارست فيه المقاومة معادلات الردّ الأوضح والأقوى، والذي يمنع الكيان من المغامرة بردّ قد يذهب بالأمور الى مواجهة شاملة.

ولتحاشي التدحرج الى مواجهة شاملة، جاء الردّ الصهيوني في لبنان وغزّة باهتاً وغير متناسب مع التهديدات التي اطلقها قادة الكيان، حيث تم استهداف اراضٍ مفتوحة لم تؤدي الى حصول ضحايا سواء في غزّة وحتى في لبنان.

في كل الأحوال كنّا ولا نزال امام تطوّر كبير وخطير تمّت مقاربته على المستوى اللبناني انطلاقاً من الإنقسام الحاصل حيث  كنا امام ثلاثة مقاربات:

1ــــ تصريحي رئيس الحكومة ووزير الدفاع اللذين لم يخرجا عمّا هو معتاد من التصريحات الرسمية اللبنانية عند حصول تطورات كتطور البارحة.

2ــــ تصريحات شاجبة من قوى معروفة بعدائها للمقاومة.

3ــــ تصريحات مرحّبة وهي التصريحات الطبيعية المرتبطة بالمقاومة وحلفائها.

وعلى الرغم من أجواء الإنقسام يبقى ان معادلات الردع لا تزال حاضرة وقائمة وتبقى التصريحات الرسمية تبريرية لأسباب مختلفة وتبقى تصريحات خصوم المقاومة مجرد تشويش لا يقدم او يؤخر.

كان بإمكان قادة الكيان المؤقت توجيه التهمة لحزب الله، لكنهم اختاروا توجيهها لحركة حماس، ليتم الرد في قطاع غزة واعتباره ردا متماثلا، ولذلك فإن الرد في لبنان كان متوقعاً كما حصل فجراً وهو ردٌّ لا يتجاوز حفظ ماء الوجه، نظرا إلى طبيعة المعادلات التي فرضتها المقاومة، على الرغم من ان قادة العدو حمّلوا الحكومة اللبنانية المسؤولية، كون الصواريخ انطلقت من ارض لبنانية، وهو اتهام بصيغة مناورة وسيتم الاكتفاء به دون ترجمته إلى اجراءات عسكرية تتجاوز قواعد الإشتباك القائمة، خاصة وان الحزب حذر من ان اي رد اسرائيلي سيقابل برد مماثل، وهذا اذا حصل قد يدفع الوضع نحو التصعيد المتدحرج وهو ما ترغب به القيادة الاسرائيلية، ولكن ليس على الجبهة اللبنانية، لهذا فإن الرد سيكون امنيا في الضفة والقدس وعسكريا في قطاع غزة وليس بالضرورة بشكل فوري الا بما يرتبط بالقصف الذي استهدف قطاع غزة والقصف الذي استهدف لبنان.

اذاً الكيان المؤقت، ليس في وسعه خوض القتال على ثلاث جبهات لذلك سيبقى ضمن النمطية الحالية انطلاقا من ضرورة تحقيق اهداف ترتبط بتحسين شروط الردع من خلال:

1ـــ الابقاء على لبنان كجبهة هادئة (يصنفها جبهة خطرة).

2ــــ تكثيف الهجمات في قطاع غزة (يصنفها جبهة رخوة).

3ــــ الابقاء على نمط المعركة بين الحروب في سورية.

وانطلاقا من هذه الوضعية ستكون الضربة الأكبر في غزة التي تتعرض منذ ليل الخميس ـــ الجمعة الى غارات شنتها “اسرائيل” على أهداف تابعة لحركة حماس، وسيحرص العدو على ان تكون الضربة في لبنان خفيفة ليكون الرد عليها مماثلا ولا تذهب الأمور إلى حرب شاملة، إضافة إلى توجيه ضربات في سورية بالنمط الحالي وهو امر بتقديري لن يستمر الى ما لا نهاية.

ختاماً لا بدّ من التأكيد على ان الردّ الإسرائيلي سجّل تراجعاً كبيراً في قدرات الردع العسكرية والأمنية معاً، وهنا لا بدّ من التأكيد ايضاً ان الجبهة الأمنية ستكون وبقوة الجبهة الرابعة التي سيضطر الجيش الإسرائيلي للقتال فيها وهو ما يتصاعد يومياً من خلال المواجهات التي تحصل في القدس والضفة الغربية.

في التقدير اعتقد اننا سنكون قريباً امام تكامل بين القدرات العسكرية والأمنية المتصاعدة بمواجهة القدرات العسكرية والأمنية للعدو والتي تشهد تراجعات كبيرة يوماً بعد يوم.

 

Exit mobile version