عمر معربوني | خبير عسكري – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية
ما قاله الرئيس بوتين في ختام منتدى فالداي على مدى ثلاث ساعات ونصف كان كافياً ليفهم من يجب ان يفهم ان العالم امام خريطة جيوسياسية جديدة وامام ولادة مارد بات ندّاً حقيقياً لنظام القطب الواحد الذي تقوده أميركا والقائم على الغطرسة والهيمنة.
في العام 2007 قبل 16 عاماً وفي مؤتمر ميونيخ لشؤون سياسة الأمن وصّف الرئيس بوتين توصيفاً دقيقاً طبيعة الوضعية القائمة حينها وقدّم نصائح في غاية الأهمية وكان واضحاً بما فيه الكفاية للتحذير من استمرار نظام القطب الواحد.
حينها قال الرئيس بوتين: “من المعلوم أن مشكلة الأمن الدولي هي أوسع بكثير من قضايا الاستقرار العسكري ــ السياسي. إنه ثبات الاقتصاد العالمي، والتغلب على الفقر، والأمن الاقتصادي، وتنمية الحوار بين الحضارات”.
وفي نفس المؤتمر أضاف الرئيس بوتين: “ما هو العالم الأحادي القطب؟ مهما جمّلوا هذا المصطلح، فهو في نهاية الأمر يعني في الواقع شيئاً واحدا، هو مركز واحد للسلطة، مركز واحد للقوة، ومركز واحد لاتخاذ القرار.
إنه عالم السيد الأوحد. وهو في نهاية الأمر مدمِّر ليس فقط لأولئك الذين يوجدون في إطار هذا النظام، بل للسيد نفسه، لأنه يقوضه من الداخل، ولا شيء يجمعه بالطبع بالديموقراطية لأنها، كما هو معلوم، سلطة الأكثرية مع اعتبار مصالح الأقلية وآرائها.
وللمناسبة، يعطون روسيا دائماً دروساً في الديموقراطية، ولكن أولئك الذين يعلموننا هم أنفسهم، لأمر ما، لا يريدون التعلم كثيراً. أظن أن نموذج أحادية القطب ليس فقط غير مقبول للعالم المعاصر بل وغير ممكن أبداً، وليس فقط لعدم كفاية الموارد العسكرية ــ السياسية والاقتصادية لدى الزعامة الانفرادية في العالم المعاصر بالذات، بل لأمر آخر أهم هو أن النموذج نفسه يُعتبر غير قابل للعمل لعدم وجود أساس أخلاقي ــ أدبي للحضارة المعاصرة ولاستحالة وجوده”.
هذا جزء ممّا قاله الرئيس بوتين منذ 16 عاماً ناصحاً ومبيناً ضرورة الخروج من حالة القطبية الأحادية الى رحاب العالم الواسع المتعدد الأقطاب القائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل كبديل عن النيوليبرالية المتوحشة القائمة على النهب والهيمنة.
ما قاله الرئيس بوتين ناصحاً في العام 2007 قاله في منتدى فالداي من موقع الند متسلحاً بقوة روسيا وقوة حلفائها والأهم إرادة روسيا وحلفائها بالسير نحو التحرر من أنظمة بالية على رأسها النظام المالي المتحكم باقتصادات الدول والقائم على وهم الدولار.
اهم ما جاء في كلمة الرئيس بوتين وردوده على أسئلة المشاركين في المنتدى انه وضع امامهم وامام العالم باسره مكامن القوة للانطلاق نحو العالم الجديد، فروسيا اليوم غير روسيا المنهكة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ومع ذلك لم تتغير أفكار الرئيس بوتين ولم تخف عزيمته. وفي عرض مقتضب وسريع يمكن ببساطة ووضوح تسجيل العناوين الأساسية لما قاله الرئيس بوتين وهو برأيي خارطة طريق للمرحلة القادمة تؤكد رغبة روسيا في الاستمرار بخوض المواجهة حتى الوصول الى النهايات الطبيعية لعالم قائم على المبادئ والقيم وليس على النهب والتوحش.
والعناوين التي طرحها الرئيس بوتين كفيلة مع حلفاء روسيا وشركائها بالدخول في مرحلة مختلفة.
وتأكيداً للاستمرار في المواجهة ذكّر الرئيس بوتين الحاضرين في منتدى فالداي ان اللقاء الأول بهم منذ عشرين سنة كان في ظروف صعبة ومعقدة تختلف عن الوضعية الحالية القائمة على الإرادة والقوة.
واهم العناوين يمكن للمتابع ان يستخلص منها آفاق المرحلة القادمة واختصرها كالتالي:
– المشكلات البشرية تحتاج إلى قرارات وحلول جماعية لمواجهة التحديات.
– توقع البعض بانتهاء الحرب الباردة أن تعمل روسيا لمصلحة الآخرين. لم يستمع ولم يرغب أحد في الاستماع إلينا.
– الولايات المتحدة اتخذت نهج الهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية وحتى الأخلاقية. إلا أن العالم معقد أكثر مما هو متوقع كي يدار من قبل طرف واحد.
– الغرب يعرف أن الطاقة كان الغرب يحصل عليها بسبب سياساتها الاستعمارية، وبسبب سرقتها للموارد.
– الغرب بحاجة للوقود والخامات ليدعم تطوره، لم يتوقف الغرب عند هذا الحد، لكنه تجاهل كل اقتراحاتنا وعرضنا على شركائنا وحلفائنا، وعندما عرضنا عليهم الانضمام إلى “الناتو” قالوا لنا: لا
حاجة لـ “الناتو” لمثل دولتكم.
– الأساس هو المبادئ التي يجب أن يبنى عليها العالم الجديد بينما يشعر الجميع بالمساواة والأمن والاحترام.
– الأساس هو التوازن في هذا العالم وألا تكون هناك إملاءات من أجل مصلحة القوى المهيمنة.
– إن المحاولات لنقل العالم إلى “نحن” و”هم” ضد بعضهم البعض هو منتج الثقافة الغربية من القرن العشرين.
– يحاول الغرب توسيع “الناتو” حتى إلى جنوب آسيا، ونهج التحالف هو حرمان حقوق وحرية الدول في تطورها المستقل، وإدخالها إلى “قفص” الالتزامات.
– إن الشعوب التي تعرف مصالحها يتعين عليها التخلص من هذا الفكر الاستعماري.
– يجب الخروج من الحلقة المفرغة للسيطرة على الفكر الإنساني.
– الحضارة في مفهومنا متنوعة ومختلفة للغاية.
– كل حضارة ترغب في البحث عن طريقها المستقل المبني على التجربة التاريخية وعلى الجغرافيا.
– إن روسيا تكونت على مدار قرون كدولة كبيرة، لا يمكن تفرقة الحضارة الروسية على اختلاف أطيافها برغم اتساعها وتنوعها.
– إن البشرية يجب أن تستند إلى ما يجمع لا إلى ما يفرق. إن كلنا نختلف في الثقافة وفي الهوية وفي القيم والعادات. إن احترامنا لأنفسنا هو ما يحدد احترامنا لغيرنا.
– الحضارة ليست إملاء على أحد، كما أنها لا تملى من الخارج.
انطلاقاً من العناوين الواردة أعلاه يمكن ببساطة القول ان الرئيس بوتين وجّه البوصلة الى الاتجاه الصحيح واعلن بجرأة وشجاعة الاستمرار بالمواجهة متسلحاً بعنوان رئيسي هو خوضه حتى النهاية لمعركة القيم.
خاص العهد الإخباري
https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=59798&cid=124