عمر معربوني | خبير عسكري خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية – رئيس تحرير موقع المراقب
مقدمة :
في احد مؤتمرات ” ايباك ” وهو المؤتمر السنوي للوبي اليهود الأميركيين حرصت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون على توجيه نصائح ترتبط ببقاء الكيان الصهيوني ومنها ضرورة تبني ” إسرائيل ” خيارات “صعبة ولكن ضرورية” من أجل تحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط .
كان هذا العنوان الأساسي لما طرحته كلينتون واتبعته بتوجيه ثلاثة نصائح يجب الإنتباه منها واتخاذ ما يناسب من إجراءات للحد من فاعليتها والتقليل من مخاطرها على وجودية الكيان الصهيوني .
هذه النصائح ارتبطت بثلاثة عوامل تتصاعد بسرعة وهي :
1- الجانب الأيديولوجي العقائدي والذي يترسخ بأبعاده الوطنية والقومية والدينية لدى الفلسطنيين بشكل خاص والعرب والمسلمين بشكل عام والذي يتمحور حول زيادة منسوب العداء للكيان المؤقت .
2- الجانب الديموغرافي حيث تصاعد معدل الولادات لدى الفلسطينين وتراجعها لدى ” الإسرائيليين ” وهو ما سيعجل في تحقيق غلبة سكانية للفلسطنيين خلال السنوات ال 20 القادمة .
3- الجانب التكنولوجي حيث باتت عناصر التكنولوجيا المختلفة متوفرة وباسعار رخيصة ما يحقق توازناً في الجوانب العلمية ويمنح الفلسطينيين قدرات ومساحات كبيرة من الإستخدام النشط للتكنولوجيا في الصراع .
بما يرتبط بالجانب الأيديولوجي ممّا لا شك فيه انّ سير المواجهات وتصاعدها يرتبط يوماً بعد يوم بالعقيدة التي تلعب دوراً كبيراً في تموضع الفلسطينيين اكثر في صلب قضيتهم لمواجهة الاحتلال وجعله اكثر خوفاً ورهبة من تصاعد العمليات التي باتت شبه يومية في مناطق الضفة الغربية والقدس وهذا ما يجعل التكامل مع فصائل غزة التي أصبحت معادلة قائمة لا يمكن تجاهلها لجهة عناصر القوة التي تمتلكها وقدرتها المتزايدة على تحقيق توازن الردع .
في الجانب الديموغرافي تشير الإحصائيات ومنها الصادرة عن مركز الإحصاء ” الإسرائيلي ” المركزي الى مؤشر بات يسمي التزايد السكاني الفلسطيني بـ ” فوبيا الحرب الديموغرافية ” والتخوف من تحوّل اليهود في فلسطين بحلول العام 2040 الى جيب سكاني في محيط فلسطيني .
وإذا كانت ” إسرائيل ” قد قامت إيديولوجيتها على مبدأ طرد السكان العرب وإحلال يهود مكانهم، فإن مخازنها اليهودية في الخارج بدأت بالنضوب لجهة إمدادها بالصهاينة الراغبين في العودة إلى “أرض الميعاد”، الأمر الذي جعل سوفير وهو أستاذ قسم الجغرافيا في جامعة حيفا وأقرانه يعلنون تعويم “الترانسفير” الجديد وطرد كل من فلسطينيي 1948 ومعهم فلسطينيو غزة والضفة الغربية أيضاً إلى الأردن والعراق وتوطين الفلسطينيين حيث هم في الدول العربية ودول العالم كافة.
كما كشفت استطلاعات رأي ” إسرائيلية ” جرت قبل أقلّ من سنة أن 85% من الإسرائيليين يؤيّدون تشجيع الفلسطينيين على الرحيل و54,5% منهم يؤيّدون ترحيلهم بالقوة و31% يؤيدون ترحيلهم بالقتال وبالتالي فإننا “سنجد أنفسنا تحوّلنا إلى أقليّة وسط أغلبية عربية ستقزّم طبيعتنا اليهودية في بلادنا” على حدّ تعبير أرنون سوفير.
في الجانب المرتبط بالتكنولوجيا قلّص رخص أدوات التكنولوجيا وتوفر الأنترنت على نطاق واسع من زيادة استخدام التكنولوجيا بادواتها المختلفة في الصراع باشكاله الأمنية والعسكرية وباتت الفصائل الفلسطينية تمتلك وحدات حرب الكترونية منظمة بحيث أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحركة اليومية للمجاهدين .
في الأبعاد الأمنية وتأثيرها على وجودية الكيان من المفيد التذكير بأن هذا الكيان قام على أساس الهجرة الى فلسطين المحتلة بعناوين ترغيبية وشعارات كـ ” ارض الميعاد ” والإزدهار والرفاهية وغيرها من الشعارات التي تم استخدامها لإستقدام اليهود الى ارض فلسطين .
منذ العام 2006 حتى اللحظة تشير ارقام ” مركز الإحصاء الإسرائيلي ” الى مغادرة حوالي مليون ومائة الف الى البلدان التي أتوا منها بينهم حوالي 20 % من الأدمغة العلمية في اختصاصات مختلفة .
والفضل الأساسي لهذه الهجرة المعاكسة كان لصواريخ حزب الله حينها والتي ألزمت نصف سكان مستوطنات الشمال بالهجرة الى وسط فلسطين واجبار النصف الأخر على البقاء في الملاجيء مدة 33 يوم .
وهذا ما حصل ايضاً بسبب صواريخ غزة منذ العام 2012 وصولاً حتى معركة وحدة الساحات وقبلها معركة سيف القدس التي بات بسببها اكثر خوفاً وقلقاً على مصيرهم الى جانب انكشاف زيف الوعود التي اطلقها مؤسسي الكيان الصهيوني من خلال انعدام الأمن والإستقرار وتنامي المشاكل الاقتصادية وتزايد عدد الفقراء والعاطلين عن العمل .
وممّا لا شك فيه ايضاً ان روح المقاومة في الضفة وما يُطلق عليه أراضي ال 48 باتت اكثر وضوحاً لتشتعل جذوتها وتقوى يوماً بعد يوم ، وانتقال اشكال المقاومة من الحجر الى البندقية والعبوة الناسفة واهمها بلا أي شك عمليات الطعن واطلاق النار الفردية التي باتت تتصدر المشهد اليومي للصراع في الداخل الفلسطيني .
العمليات الفردية المتصاعدة حققت انكشافاً كبيراً في القدرات الإستخباراتية للعدو واحدثت ارتباكاً غير مسبوق وهي في المقابل باتت تشكل عامل تحفيز للشباب الفلسطيني بحيث يشكل كل بطل قدوة لغيره من الشباب ويدفعهم نحو تكرار الفعل المقاوم كل حسب ما يراه مناسبا بحيث بات منفذ العملية هو المخطط والمنفذ في آن .
ان استمرار تصاعد العمليات الفردية الى جانب العمليات المنظمة في اكثر من مدينة فلسطينية وعلى رأسها مدينة جنين ومخيمها بشكل خاص وكذلك استمرار تنامي قدرات المقاومة في غزة سيؤدي الى تراكمات إيجابية لمصلحة الفلسطينيين وسلبية ” للإسرائيليين ” الذين سيجدون انفسهم في يوم من الأيام غير قادرين على تحمل ضربات المقاومة بكل اشكالها وسيفضلون الرحيل وهو ما سيكون بمثابة التحول الإستراتيجي الكبير ويؤدي الى واقع جيوسياسي جديد والى فلسطين محررة بدون غزاة .
قد يبدو الكلام في الجملة الأخيرة سوريالياً عند البعض لكنها حقائق التاريخ تفرض نفسها وستصل بالأمور الى تحقيق اللحظة التاريخية التي ثبت منطقها عبر كل حقبات الإنسانية والتي ارست القول الشهير : ” اذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر ” .