كتب علي كوثراني | عن دورة حياة المثقف الربيعي الملوَّن التكرار الممل والنقاشات التي عفا عليها الزمن
علي كوثراني | كاتب وباحث لبناني
في كلٍّ مرةٍ تندلع فيها ثورةٌ ملونةٌ، تُطِل نفس وجوه الربيع العربي برأسها من فوق “التتخيتة”، لتقرأ علينا نفس الخطاب الذي نخر العث في بنيته ثقوبًا لا تعد ولا تحصى، فتعظنا عن أصول اتخاذ “الموقف الإنساني السليم مع الانتفاضة الشعبية وضد النظام الفاسد المجرم”، وتديننا من جراء “شجب الانتفاضة بدون دليلٍ ملموسٍ يثبت أنها ثورةً ملونةً”، وتوبخنا بسبب “التركيز على الدعم الغربي للانتفاضة لا على شعاراتها”.
وفي كلِّ مرةٍ تبدأ آثار هذه الانتفاضة بالتجلي دمارًا للبلاد وتشريدًا لأهلها، تسحب هذه الوجوه نفسها من تحت أضواء مسرح التهليل والتنظير رويدًا رويدًا كالعادة، وتنفض يدها منها، وبالحجة نفسها، أن “قوى اليمين قد ركبت الانتفاضة الشعبية وسرقتها من قوى اليسار والديموقراطية فحرفت مسارها”، وتصعد من جديدٍ لتختفي بين أكوام الكراكيب فوق التتخيتة لينخر العث ما تبقى منها ومن خطابها، وتدخل سباتها الشتوي بانتظار ثورةٍ ملونةٍ جديدةٍ أو ربيعٍ، لتعيد الكرَّة نفسها.
وفي كلِّ مرةٍ، يحتار البعض في أمر هذه النخب، أهي نخبٌ حرةٌ تدلي بآرائها؟ وإن كانت فعلًا نخبًّا شغلها الشاغل الفكر والمنطق، فهل من المعقول أن تكرر نفس العمل بهذا الشكل الممل وأن تتوقع في كلِّ مرةٍ نتائج مختلفة؟ هل مازالت عاجزةٌ عن فهم استحالة التغيير في الداخل قبل التحرر من الهيمنة بعد كلِّ هذه التجارب الكارثية؟ أهي روبوتات مبرمجةٌ للقيام بنفس الوظيفة بنفس النبرة ونفس الطريقة في كلِّ مرةٍ وبصرف النظر عن الآثار المترتبة؟
لا فرق، ونحن لسنا هنا في محكمةٍ أصلًا، فليهللوا وينظِّروا لما شاءوا وكما يشاؤون، ولكن لكلِّ فعلٍ عاقبةٌ، ونحن أيضًا من حقنا أن نحدد التموضع السياسي لهؤلاء وأن نتصرف على أساسه. فمن وجدنا سلوكه في مصلحة ثورات الغرب في البلاد المهيمَن عليها، هو متموضعٌ مع الغرب بالضرورة، هو مثقف الهيمنة، مروِّجٌ لدعايتها، صادٌ عن محاربتها بداعي أولوية التغيير في الداخل، هو مهما تلوَّن عميلٌ لها، سواء بأجرٍ أو بدون، وهكذا يجب أن نتعامل معه.