عبد العزيز القطان | كاتب ومفكر كويتي
الجميع ينظر إلى الأزمة العميقة التي تحدث داخل الكيان الصهيوني من زاوية واحدة، متناسين أن الهوة عميقة جداً، وأن الاحتجاجات الغاضبة من سياسة الكيان الغاشمة مستمرة، وهذا ما قد يدفع الكيان إلى ممارسة تصرفات قد تعيدنا بالذاكرة إلى أكثر حقباته الدموية التي نعرف، فماذا يحدث ولماذا كل هذه الهيستيريا الحالية؟
من المعروف أنه قبل أيام قليلة تعرضت الأراضي الصهيونية لإطلاق صواريخ مكثف من لبنان، حيث تم إطلاق حوالي 100 صاروخ، في وقت لم تعرف البلاد مثل هذا الهجوم الواسع النطاق منذ عام 2006، عندما شنت حرباً مع حزب الله.
وبحسب وسائل الإعلام، أن عشرات الصواريخ المختلفة قصيرة المدى أطلقت من الأراضي اللبنانية على مستوطنات اللواء الشمالي لكيان الاحتلال (شمال وغرب الجليل)، وكذلك على مدن تل أبيب ونتانيا وحيفا، بعد الضربة الانتقامية الأولى، أطلق نشطاء فلسطينيون تسعة صواريخ أخرى على الأقل من غزة على الكيان الصهيوني، حيث اعترض نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي معظمها، لكن بعضها أصاب أهدافاً مدنية، وعلى خلفية الحادث، علق مطار بن غوريون في تل أبيب جميع الرحلات الجوية، وأغلق المجال الجوي في شمال البلاد.
ماذا حدث؟
بعد اجتماع مجلس الوزراء العسكري السياسي للحكومة الصهيونية، جاء الرد من الجيش الصهيوني، في ليلة 7 أبريل/ نيسان، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي اتصالات حماس في قطاع غزة ومنشآت يُزعم أن التنظيم استخدمتها لإنتاج أسلحة، كما تم استهداف أطراف مستوطنات في الأراضي اللبنانية حيث توجد عدة مخيمات فلسطينية.
وسبب التصعيد هو العملية التي قامت بها الشرطة الإسرائيلية يوم الأربعاء في المسجد الأقصى، عندما اقتحم الصهاينة مباشرة قاعة الصلاة في المسجد وشرعوا في تفريق الفلسطينيين المجتمعين هناك، واستخدمت الشرطة قنابل الصوت والغاز المسيل للدموع ووسائل خاصة أخرى، ونتيجة لذلك، تم اعتقال أكثر من 350 شخصاً.
تسببت تصرفات شرطة الاحتلال في ردود فعل دولية متباينة، فقد أدانت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالقضية الفلسطينية، فرانشيسكا ألبانيز، الأساليب التي تستخدمها الشرطة، وقالت المنظمة في بيان خاص “عندما اجتمع المسلمون الفلسطينيون لأداء صلاة رمضان وممارسة حقهم في دخول المسجد الأقصى، استخدمت السلطات الإسرائيلية ضدهم القوة المفرطة وغير المبررة”.
كما كان رد الفعل العربي فورياً أيضاً، ووصفت عدة جهات عربية تصرفات الشرطة في الأقصى بأنها “انتهاك صارخ لسلامة المؤمنين والقدس، ويمس جميع المسلمين والمسيحيين والأحرار في العالم”.
عامل رئيسي آخر يؤثر على الأحداث الجارية هو موجة التوتر الاجتماعي التي غطت أراضي الكيان بعد محاولة حكومة بنيامين نتنياهو إصلاح القضاء، ولم تهدأ الاحتجاجات حتى بعد قرار رئيس الوزراء تأجيل النظر فيها إلى الدورة الصيفية لمجلس النواب، ما يعني أن شرارة هذا الوضع بدأت من هنا.
فقد شارك أكثر من 230 ألف شخص في مسيرات في تل أبيب وحدها، ونزل أقل من نصف مليون إلى الشوارع، بعد أن انضم الهستدروت، أكبر اتحاد نقابي داخل الكيان الصهيوني، إلى الاحتجاجات، وتحول الوضع بحكم الأمر الواقع إلى إضراب على مستوى البلاد وكان هناك احتمال حقيقي بأن تفقد الحكومة السيطرة على البلاد.
المنفعة السياسية التي تجنيها حكومة نتنياهو من التصعيد واضحة، حيث يحول المجتمع الانتباه من القضايا المحلية إلى قضايا الأمن القومي، بالإضافة إلى ذلك، يتلقى حزب الليكود المحافظ بقيادة رئيس الوزراء، في السياق الحالي، حججاً إضافية لتشديد سياسته تجاه فلسطين.
بالإضافة إلى ذلك، أعرب خصومه الأخيرون عن دعمهم نتنياهو للإصلاح القضائي على الفور، ووصفوها بأنها “الخطوة الأولى نحو الاستبداد”، كما أن وزير الدفاع السابق بيني غانتس أيد تصرفات رئيس الوزراء لكن بعبارات قاسية.
ومع ذلك كله، فإن هذه الفوائد لها فترة صلاحية قصيرة جداً، بمجرد أن يهدأ التوتر، ستعود المناقشة السياسية الداخلية داخل الكيان إلى الواجهة مرة أخرى، كما أن المجتمع الصهيوني دائماً ما يتم توطيده في مواجهة التهديدات الخارجية، ولكنه أيضاً منقسم تقليدياً حول قضايا السياسة الداخلية، وتوضح أن معارضة نتنياهو ستضعف لبعض الوقت، ولكن بمجرد انخفاض مستوى العنف، ستستأنف الاحتجاجات.
بالنسبة لمقاومة الاحتلال من المرابطين داخل فلسطين، هناك عدد غير قليل ممن يرغبون في رد صارم وسريع، ومن حيث التفاعل على الأراضي الفلسطينية، سنشهد نشاطاً ملحوظاً لصواريخ المقاومة على أكثر من جبهة، والجميع رأى وسمع الإطلاق الذي تم من سوريا باتجاه الجولان، وهذا يعكس أنه ربما ثمة اتفاق لفتح أكثر من مصدر إطلاق بوقت واحد، لن تستطيع حكومة الكيان ردعه، وهي مضطرة إلى التهدئة، لكنها الآن بين نارين، الداخل والخارج، ولن تقوى أو تصمد لأن هذه المرة ليست كما السابق.
بالتالي، لتحليل الأوضاع بدقة، كان لا بد من توضيح ما يحدث في العمق الصهيوني، لفهم آلية التفكير القادمة لكيان الاحتلال، فالهروب نحو الخارج لن يكون مفيداً كما كل مرة، اليوم الحنق العربي والفلسطيني بلغ حداً غير مسبوق، والتأكيد المستمر أن الاحتلال جيشاً وحكومة أوهن من بيت العنكبوت.