طارق الأحمد | عميد في الحزب السوري القومي الإجتماعي
طالعتنا صحيفة «قاسيون» في عددها الصادر بمناسبة عيد جلاء المستعمر الفرنسي عن سورية ١٧ نيسان الحالي، بافتتاحية تذكر فيها حجم معاناة الشعب السوري من جراء الوضع الكهربائي، وأطلقت عليه تسمية الفقر الطاقيّ. وحوت المقالة على تشريح لهذا الأمر يحوي الكثير من التوصيف الصحيح لحجم المعاناة التي يعيشها الناس، وتؤثر على حياتهم، كما تؤثر على حركة الاقتصاد بشكل جوهري، وكل ذلك بالمجمل نتفق معه، وهو ما كتبنا بتوصيفه منذ سنوات، وقد نشرتُ في صحيفة «البناء» مقالات عدة تحتوي ما يتعلق بشأن الطاقة واقتراحات عديدة للحلول، كما قدمنا في الحزب السوري القومي الاجتماعي، مقترحات عديدة مكتوبة وبشكل مباشر للحكومة، ودعونا إلى فتح مسار الحوار الداخلي في كلّ المجالات وبخاصة الجانب الاقتصادي منه، حيث أن حزبنا قد أوضح في وثيقته السياسية التي قدمها عام 2015 وأكد عليها في سنوات لاحقة، بأنه يرى الحلّ السياسي في سورية عبر الحوار الداخلي السوري ـ السوري وليس في تلبية مطالب الخارج عبر مسار جنيف الحالي والقرار 2254 لأنه يستند في فلسفته على ليّ ذراع الوطن من خلال احتلال الشمال السوري من الأميركي والتركي، ثم تقديم مسار للحل السياسي يعتمد
على إدخال معارضة خارجية الى صيغة الحكم عبر هذا القرار.
فمشكلتنا مع هذه المعارضة لا تكمن في أفكارها السياسية حيث إننا لا نحاسب الناس على أفكارهِم، كما لا نقبل من يحاسبنا على معتقداتنا، وإنما مرجعياتها السياسية المعلنة والواضحة في تلبية السياسات والأجندات للاحتلالين الأميركي والتركي، وأنا هنا لا أتّهم ولا أكشف الأسرار بل إنّ ما أكتبه هو معلن من قبلهم وهو ما يتفاخر بعضهم به أيضاً.
الحزب السوري القومي الاجتماعي غير مشارك في أيّ من الوفود التي تتفاوض في جنيف، وحين يسأل البعض بأنّ الحكومة تشارك، نقول إنّ الدولة السورية لها خيارها في التجاوب دوماً مع طروحات حليفها الروسي والإيراني وهي ترسل وفداً تُسمّيه وفداً وطنياً مدعوماً من الحكومة، أيّ أنه لا يمثل وزارة الخارجية.
من هنا أجد انّ استنتاج البعض بأنّ الترياق لكلّ أزماتنا الاقتصادية، وتحليل الأزمة الكهربائية بأنها ستصبح في طور التعافي بحال تطبيق القرار 2254، هو استنتاج خاطئ ايّ بمعنى واضح من قبل كاتب الافتتاحية الذي يدرك السياسة جيداً، بأنّ إدخال المعارضة الخارجية بصيغة قوتها الرئيسية المشكلة لها وهي الائتلاف الذي يتشكل بدوره من الإخوان المسلمين ذوي المرجعية التركية، هو استنتاج خاطئ، فهذه الصيغة بالذات لا تشبه سوى تشكيل نظام (ديمقراطي) يشبه تركيب نظام الطائف اللبناني الذي كان يُنار ببضع سويعات كهربائيّة من خلال سفن تركية تنتج الكهرباء وتبيعه له بفواتير لو جمعت لكانت أسست بالثمن نفسه مئات أبراج توليد الكهرباء الريحية، او لحوّلت جبال النفايات الملقاة في الشوارع إلى كهرباء نظيفة ولو جمعتها مع الطاقة الشمسية وبعض التوليد المتوفر لاكتفى لبنان ذو الخمسة ملايين ساكن بالكهرباء وبسعر شبه مجاني مستدام، وهذا ما كتبته في مقالة سابقة، وأعتقد بأنه يمثل النصائح الناجعة التي يمكن وينبغي أن تقدّم إلى الحكومات كما تنتقد حين تقصيرها أو تقعدها عن إيجاد السبل الكفيلة بتنفيذ مشاريع كهذه.
وأما الحكم الآخر الذي يبشرنا القرار ٢٢٥٤ بصيغة حكم على غراره فهو العراق الحالي الذي مُنع رئيس حكومته السابق عادل عبد المهدي رغم أنه ينتمي إلى ما يُدعى (بالأغلبية الطائفية) وهو متن فلسفة القرار 2254، حتى من التعاقد مع الصين على محطات كهرباء وشقّ طرق وغيرها رغم انه من أكبر الدول المنتجة للنفط وبدخل وطني يناهز مئة مليار دولار سنوياً.
أما ما لم تذكره افتتاحية «قاسيون» فهو ما يجب ويمكن ونأمل ونتوقع أن يجري قريباً بالشراكة بين الحليفين السوري والروسي مع الحليف الإيراني وهو إنذار المحتلّ الأميركي بضرورة انسحابه من الأراضي السورية المحتلة شرق الفرات حيث يسرق ويشرف على سرقة نفطنا وغازنا وقمحنا وقطننا، وصولاً الى دحره وتحرير هذه المنطقة الغالية كما تحرير أهلنا المأسورين بقرارهم وتحكم قلة بهم وادّعاء تمثيلهم لهم تحت حجج واهية. وكنا سباقين في الدعوة الى حلّ أيّة مشكلة مع كلّ أبناء الوطن بالحوار ولكن لا يوجد أيّ مبرّر للارتهان للمحتلّ المعادي تحت أيّة ذريعة صحيحة أم نصف صحيحة كانت. وبالأرقام فسورية كانت تنتج بين 300 إلى 400 ألف برميل نفط قبل الحرب إضافة الى 20 مليون متر مكعّب من الغاز، طبعاً الرقم يتأرجح نتيجة عدة عوامل تقنية لا مجال لتعدادها هنا، لكنها ستكون قادرة على الأقلّ ان تكتفي وتعود للتصدير أيضاً بعد إصلاح عديد الآبار المخرّبة والمنشآت. وهكذا يمكن ان تأخذ الكهرباء طريقها الى التعافي، مع أنّ هذا الأمر لا يعني أن لا توجه الانتقادات الموضوعية وتعرّى الأسباب والنتائج أيضاً بموضوعية وتقدّم الاقتراحات بالحلول الممكنة مع الفصل الأكيد بين ما هو إصلاحي ويمكن التحاور بشأنه بين جميع القوى السياسية وكلّ أصحاب الرأي الناقد وبين ما هو سيادي ويتخذ من الأعباء والمعاناة التي يرزح تحتها الوطن من أجل تحقيق مكاسب لدول إقليمية نعرفها جيداً وحاربتنا وأرادت احتلالنا بالسلاح والإرهاب وتودّ اليوم أن تكسب بالسياسة عن طريق ما تدّعي بأنه تخفيف لآلام شعبنا من أجل أن تشارك بقرارنا السياسي وفق صيغ باتت معروفة لكلّ سياسي يدرك ما يجري في هذا العالم.
البناء