شوقي عواضة | كاتب واعلامي لبناني
لقد أثبتت التّجارب أنّ الحقّ يؤخذ ولا يُعطى، فلنأخذ حقّنا بحدّ السّيوف ولنطلب الموت توهب لنا الحياة، بتلك الكلمات عبّر قائد الثّورة السّوريّة العربيّة الكبرى سلطان باشا الأطرش عن إرادة الشّرفاء من أبناء بلاد الشّام التي كانت مربض خيل الثّوّار كأمثال أدهم خنجر وصادق حمزة الفاعور اللذينِ تصدّيا مع سلطان باشا الأطرش للغزوّ الفرنسي فكانت سورية قلعة المقاومة وحصنها التّاريخي من الاحتلال الفرنسي إلى الاحتلال الصّهيونيّ، وكانت شوكةً في عين المتآمرين وقلعة صمود تحطّمت على أعتابها مؤامرات الغرب.
تلك هي سورية التي خرّجت من ساحلها أوّل قائدين حملا راية المقاومة في فلسطين وهما الشّيخ عزّ الدين القسّام ابن جبلة الذي باع منزله لشراء سلاحٍ للمقاومة لمواجهة غزو العصابات الصّهيونية في فلسطين، والقائد الثّاني هو الرّئيس الرّاحل حافظ الأسد الذي كان أوّل من تبنّى ودعَم فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان، فعلى مدى سنوات عهده قدّم الرئيس حافظ الأسد كافّة أشكال الدّعم الماديّ والمعنويّ والسّياسيّ والعسكريّ لحركات المقاومة حتّى في لبنان في اجتياحي عامي 1978 وعام 1982 ومشاركة القوّات العربيّة السّورية في التّصدّي للاجتياح الاسرائيليّ، دعمٌ تعاظم مع تصاعد عمليّات المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي في لبنان وأثمَر التّحرير الأوّل عام 1985 ليستمرّ تلقين العدوّ الهزائم الهزيمة تلو الأخرى خلال مواجهات تموز 1993 وعمليّة عناقيد الغضب 1996 وحتّى التّحرير الثاني عام 2000 الانتصار الذي عاشه الرّئيس الأسد ورأى هزيمة الكيان قبل رحيله، ليستمرّ دعم المقاومة في عهد نجله الرّئيس الدكتور بشار الأسد الذي كان شريك الانتصار عام 2006.
تلك هي سورية الثابتة على مبدئها والتي يقرّ العدوّ قبل الصّديق بثباتها وصمودها ومنهم اعتراف عقل وصانع السّياسة الأميركيّة هنري كيسينجر الذي قال لقد أثبتت الظّروف والأحداث أنّ أحداً لا يستطيع انتزاع شيء من السّوريين دون مقابل وبلا ثمن. كيسنجر الذي التقى الرّئيس حافظ الأسد عدّة مرّات فوصفه قائلاً: لقد كان قائداً سورياً ووطنيّاً مقتنعاً بأنّ عليه حماية المصالح السّوريّة والعربيّة، ومفاوضاً صلباً جداً، ولقد اعتبر نفسه مسؤولاً عن القومية العربية، ليعترف كيسينجر في تصريح آخر له قائلاً: (لقد هزمني حافظ الأسد).
أمّا الرّئيس الأميركيّ الأسبق بيل كلينتون الذي حذّر السّاسة الغربيين من فكر وعقل القائد حافظ الأسد، وحنكته السّياسية المبهرة، يضيف في كتابه (السّلام في الشرق الأوسط) كان الأسد يتكلّم عن الأراضي المقدّسة، بدا لي وكأنّه صلاح الدين الحديث، وكأنّه أصبح من واجبه أن يخلّص المنطقة من الوجود الأجنبي ويحافظ على دمشق كالمحور الذي تدور من حوله وحدة العرب.
تلك هي سورية التي دفعت ثمن دعمها للمقاومة في فلسطين ولبنان ولم تلقَ من (العرب) إلّا المزيد من التآمر والتّخاذل على مدى 12 عاماً من الحرب الكونيّة العدوانيّة عليها لكنّها لم تتخلَّ عن فلسطين ولا المقاومة، لم تتجرّد من عروبتها كما تجرّد المستعربون والمهرولون للتّطبيع مع العدوّ “الاسرائيلي” أولئك الذين يتحدّثون اليوم عن عودة سورية إلى الجامعة العربيّة التي انشغلت بالتآمر على فلسطين سورية ولبنان والعراق تلك الجامعة التي رفضت أن تدين اتفاقيات التّطبيع بين البحرين والسّعودية وكيان العدوّ هي التي تحتاج إلى شهادة بعروبتها التي عرّتها حينها تخلّت عن فلسطين وسورية ولبنان واليمن أصل العروبة والعرب وشام الشّرفاء التي عمّدت عروبتها بالدّماء والتّضحيات والشّهداء في مواجهة مؤامرات وغدر (الإخوة) وخرجت منتصرة، ولولا انتصارها الذي أحبط جميع المتآمرين لما عادت الجامعة العربية التي تخلّت عن عروبتها بتخليها عن سورية عودة الصّاغرين الذين أجرموا بحقّ سورية وشعبها. وما لم ينجزه المتآمرون في عدوانهم على سورية لن ينجزوه بعودتهم.
تلك هي سورية التي فرضت بانتصاراتها عودة الضّالين عن ضلالهم بفضل دماء الشّهداء وتضحيات الشّرفاء وليس بمنّة أو هبة من أحد. ولو لم تنتصر سورية لكنّا شاهدنا انعقاد القمة العربيّة على ركام دمشق معلنة انتصارها في حرب جنّدت نفسها فيها لخدمة الكيان الصّهيوني. لو لم تنتصر سورية لشاهدنا أمينها العام وأعضاءها يتراقصون على أشلاء المجازر التي لم تكن لتحصل لولا دعمهم. ولأنّ سورية قاهرة الغزاة أبى الله لها إلّا الانتصار وأبى لشامها إلّا المجد والعزّة… وما عودة الجامعة العربية إلى سورية إلّا محاولة لاستعادة عروبتها التي نعتها باتفاقيات الذّل والخيانة ووأدتها مع أشلاء أطفال غزّة ودمشق وصنعاء فيامن ستحجّون أفواجاً أفواجاً إلى دمشق عرِّجوا على ميدانها وتمرّغوا بغبار ما تبقّى من ركامها وتعفّروا بنعل شهيد في فلسطين واغتسلوا بدموع أطفال اليمن لعلّكم تتطهّرون من دنسكم ويغفر لكم الشّعب جرائمكم.