كتب شوقي عواضة | درع الكيان المهشّم وسهمه الخائب
شوقي عواضة | كاتب واعلامي لبناني
ليست المرّة الأولى التي يُقدِم فيها العدوّ الإسرائيليّ على اغتيال قادة من المقاومة. فتاريخ الكيان المؤقّت الحافل بالمجازر يشهد على مدى إرهابه واستمراره بارتكاب الحماقات التي يتعلّم منها عبر تاريخه الإجراميّ بأنّ كلّ ما قام به من عمليّات اغتيال لم يؤدِّ إلّا إلى اشتداد المقاومة وبأسها وأدائها وتطور عمليّاتها. آخر حماقات العدوّ التي ارتكبها هو اغتيال ثلاثة قادة من “سرايا القدس”. العمليّة لم تكن موجّهة إلى حركة “الجهاد الإسلامي” وحسب، بل هي استهداف للشّعب الفلسطينيّ ولكلّ فصائل المقاومة الفلسطينيّة، وفي مقدّمتها حركتا “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ”.
وعلى قدر الجريمة كان الرّدّ بل وأكثر، شيّعت جثامين الشّهداء في عرسٍ وطنيٍّ أظهر وحدة الصّف والموقف، والتي تجسّدت ميدانيّاً من خلال غرفة العمليّات المشتركة التي اعتمدت تكتيكاً جديداً في المعركة عجز الاحتلال عن استيعابه وقراءته، وأدخله في حالةٍ من الإرباك والتّخبّط.
فبعد صمت دام 36 ساعة، أطلقت المقاومة أولى صلياتها الصّاروخيّة، مستهدفة المناطق التي لم يتوقّعها العدو، ومتخطّية بنيرانها مدى غلاف غزّة، وفقاً للقاعدة التي أرساها الأمين العام لحركة “الجهاد الإسلامي” زياد النخالة بأنّه عند حصول أيّ عدوانٍ على شعبنا سنبدأ من حيث وصلنا في وحدة السّاحات، وهذا يعني أن البداية ستكون باستهداف غلاف غزة ضمن مدى تجاوز 25 كيلومتراً، إلى عسقلان وامتداداً إلى عمق الكيان المحتلّ بمدى تجاوز 75 كيلومتراً وصولاً إلى استهداف “غوشدان” التي يعدّها الكيان الصّهيوني العاصمة الكبرى له، ويسكنها ما يقارب نصف عدد قطعان المستوطنين، إضافةً إلى أهميّتها التّجاريّة والأمنيّة، إذ تضمّ أغلب المرافق الاقتصاديّة والمراكز الأمنيّة، وتعدّ قلعة الكيان الحصينة التي اجتاحتها صواريخ المقاومة كاسرةً قواعد الاشتباك مع العدوّ الذي استخدم للمرّة الأولى مقلاع داوود ( العصا السّحرية) لمواجهة صواريخ المقاومة.
تجدرالإشارة إلى أنّ كلفة الصّاروخ الواحد منها تبلغ مليون دولار أميركي استُعمِل منها صاروخٌ واحدٌ لإسقاط صواريخ المقاومة المحليّة الصّنع. وبالرّغم من ذلك، لم تمنع العصا السّحريّة صواريخ المقاومة من الوصول إلى العمق الصّهيوني، الذي أراد فرض معادلاتٍ وقواعد اشتباك جديدةٍ في معركةٍ اعتقد أنّها ستكون محدودة الرّد وفقاً للآتي:
1 – استفراد العدوّ بحركة “الجهاد الإسلاميّ” من خلال استهداف قادتها، ومحاولة فصلها في المواجهة عن باقي الفصائل.
2- تدمير القدرات العسكريّة والصّاروخية لـ”سرايا القدس” من خلال اغتيال قادتها، والقضاء على العمليّات العسكريّة في الضّفّة أو الحدّ منها.
3 -فرض الاحتلال الإسرائيليّ على فصائل المقاومة معادلاتٍ وقواعد اشتباكٍ جديدةٍ.
4 – محاولة نتنياهو شدّ عصب الداخل، وتوحيد الصّف وتقديم نفسه كبطل حرب لا مفسد.
أفشلت المقاومة أهداف العملية منذ اللّحظة الأولى لاغتيال قادة “سرايا القدس”، التي بدت موحّدةً في موقفها وأكثر صلابة وإصراراً على الرّد، وما خطّط له العدوّ ذهب أدراج الرّياح وكان هباءً منثوراً. أولى إخفاقات العدوّ أعلنتها غرفة العمليات المشتركة للمقاومة وبيانها الموحّد لتسقط ما أراد العدو فرضه من انفرادٍ بحركة “الجهاد الإسلاميّ”.
بيانٌ خطّته صليات الصّواريخ التي أثبتت ميدانياً وباعتراف العدو استحالة الانفراد بحركة “الجهاد الإسلامي” أو غيرها من الفصائل، وفصلها عن بعضها البعض مثبتة أنّ القوّة الصّاروخيّة كانت أكثر غزارةً منذ اللّحظة الأولى لردّ المقاومة، وهذا مؤشّر على أنّ اغتيال قادة “سرايا القدس” أعطى زخماً للمقاومين، وأنّ الوحدة الصّاروخيّة في “سرايا القدس” رفعت وتيرة قصفها واستهدافها لمستوطنات العدوّ وعمقه لتفرض قواعد اشتباك جديدة على العدوّ، الذي باشر اتصالاته بمصر وقطر والولايات المتحدة لتهدئة الأمور، والوصول إلى وقف إطلاق النّار، وهذا ما لم يتحقّق لغاية الآن، في ظلّ تزايد الأزمات الدّاخلية التي يعيشها الكيان، خاصّة بعدما فرضت المقاومة بصواريخها حصاراً مطبقاً على غلاف غزة أدّى إلى إخلائه من مستوطنات قطعان المستوطنين الذين لاحقتهم صواريخ المقاومة إلى “رمات غان”، إضافة إلى إقفال بعض المؤسّسات وتغيير مسار الطّائرات في مطار “بن غوريون” والتي وضعها العدوّ كأهدافٍ محتملة لصواريخ المقاومة، عدا عن تأجيل امتحانات المدارس وإلزام بعض قطعان المستوطنين بالبقاء في منازلهم وعدم مغادرتها، وفرض منع التّجوّل والبقاء بالقرب من الملاجئ.
كلّ الأزمات المتراكمة يعيشها الكيان الذي بات يبحث عن حلٍّ سريعٍ لها عبر تكثيف حركة اتصالاته بالوسطاء، في ظلّ وصول فريقٍ من المخابرات المصريّة للاجتماع بالأمين العام لحركة “الجهاد الإسلاميّ” زياد نخالة الذي رفض الذّهاب إلى مصر وإجراء أيّ مفاوضاتٍ.
وفي كل الأحوال، حتّى لو تمّ التّوصل إلى اتفاقٍ، فإنّه لن يكون إلّا بشروط المقاومة التي أثبتت أنّها قادرة في أصعب الظّروف على الرّد، وأنّ المقاومة ما بعد شهداء “سرايا القدس” أقوى وأثبت وأقدر من ذي قبل، وأنّ العمليّة التي أطلق عليها العدوّ الإسرائيليّ عمليّة “الدّرع والسّهم” تحوّلت أمام ضربات المقاومين إلى درعٍ مهشّمٍ وسهمٍ لم يصب هدفه بل أصاب الكيان الصّهيونيّ في مقتله.