رفعت البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص
تعددت التأويلات والتفسيرات للأهداف الكامنة خلف زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولى إلى الشرق الأوسط، فالبعض ذهب في تفسيره بأن الزيارة فرضتها ظروف الحرب الروسية الأوكرانية، وما خلفته من اضطراب حاد في إمدادات الغاز إلى دول حلف الناتو، إضافة إلى التهويل المتزايد بوقوع مجاعة عالمية بعد دخول عملية تصدير القمح كورقة ضغط بين الدول، إضافة إلى تزايد الحديث عن حتمية وقوع الحرب العالمية الثالثة.
البعض الآخر فسّر الزيارة بغرض إيجاد مصادر بديلة للطاقة الروسية لإمداد دول الناتو بعد قرار حظر استيراد الغاز الروسي، إضافة إلى سعي أميركا لتهدئة سوق الطاقة وكبح جماح الأسعار في ظل الحرب الروسية في أوكرانيا، لكن بايدن وجواباً على سؤال خلال مؤتمر صحفي حسم الأمر قائلا: إن القضايا الأمنية أهم من أسعار وموارد البترول.
دول الناتو لم تعد متحمسة للتمسك بموقف موحد مؤيد لأوكرانيا، كما ظهر في بداية العملية الروسية العسكرية، وتراجع التزام دول أوروبا بتنفيذ العقوبات المفروضة على روسيا ليس حباً بروسيا ولا بشخص الرئيس فلاديمير بوتين إنما لإدراك القادة الأوروبيين أن مستقبل اتحادهم بات مهدداً بالتفكك في حال نفذت روسيا تهديدها بقطع الغاز، خصوصاً بعد الركود الاقتصادي والتضخم واستياء المواطن الأوروبي من أسعار البنزين والمواصلات واحتمال جدي بتوقف معظم الصناعات والتبشير الألماني باتخاذ تدابير تقشفية تبدأ بتقنين التغذية الكهربائية عن بعض المناطق لاسيما برلين.
تأتي زيارة بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط على أبواب انتخابات أميركية نصفية، فيما تشهد شعبيته أدنى مستوياتها منذ دخوله البيت الأبيض كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، نتيجة التضخم المالي غير المسبوق وركود اقتصادي وارتفاع في أسعار السلع الحياتية والمعيشية لاسيما أسعار الديزل والبنزين وتوقف عمل بطاقات الضمان الصحي عن عدد كبير من الأميركيين وجعلهم في حال انكشاف من دون تغطية علاجية، ما زاد في عمليات السرقة وانتشار السلاح بين المواطنين وازدياد معدل الجريمة ما جعل الوضع الأميركي الأمني والصحي والاقتصادي الداخلي، الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية ومنذ نشأتها.
العلاقات الأميركية مع السعودية شهدت في الآونة ما يشبه الجفاء، بعد المجاهرة الخليجية برفض الإملاءات الأميركية بضخ المزيد من النفط لتعويض النقص الحاصل في السوق المسبب لرفع الأسعار المتداولة، ويأتي هذا الجفاء في العلاقة نتيجة الثقة المفقودة بين الإدارة الأميركية الديمقراطية من جهة وبين السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك على خلفية مواقف بايدن الأخيرة محملاً ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤولية عن مقتل جمال خاشقجي في تركيا، وبعدم رغبة بايدن بلقائه أو مكالمته أو حتى مصافحته.
لكن يبدو أن بايدن أخذ بمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وفجأة تبددت كل تصريحاته الشائنة بحق ولي العهد السعودي وأعلن عن نيته زيارة المنطقة والاجتماع مع العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز وبحضور ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وذلك بناء لدعوة تلقاها من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، للمشاركة في اجتماع قمة مشتركة تجمع الرئيس الأميركي وقادة دول مجلس التعاون الخليجي العربية، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني ورئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي في 16 من شهر تموز المقبل.
الديوان الملكي السعودي أصدر بياناً تضمن أن الزيارة تأتي تعزيزا للعلاقات الثنائية التاريخية والشراكة الإستراتيجية المتميزة بين السعودية والولايات المتحدة، والرغبة المشتركة في تطويرها بالمجالات كافة، ويرى بعض مستشاري بايدن أن التوترات التي شابت علاقات واشنطن بالرياض منذ بداية رئاسة بايدن لا يمكن أن تستمر، خصوصاً في ظل تداعيات حرب أوكرانيا، ويجب إعادة الوصل والتفاهم على أمن المنطقة وضمان أمن الطاقة، وقبيل الزيارة وافقت منظمة أوبك بلس على تسريع إنتاج النفط بعد موافقة السعودية والإمارات.
بايدن سيبدأ جولته في المنطقة من الكيان الصهيوني، كما سيعقد قمة افتراضية تجمع قادة الكيان الصهيوني والهند والإمارات فيما وصفه مسؤول كبير بالإدارة الأميركية بأنه تجمع دبلوماسي جديد، يأتي ذلك في ظل أزمة سياسية متواصلة تضرب الكيان الصهيوني منذ 2019، وآخرها قرار حل الكنيست والدعوة لإجراء انتخابات مبكرة خامسة ولا شك بأن الأزمة التي يشهدها الكيان الصهيوني قد تمهد الطريق أمام عودة ممكنة لرئيس حزب الليكود برئاسة بنيامين نتنياهو وتزعم المشهد السياسي، خصوصاً أن الأخبار المتداولة تشي بنية بايدن الاجتماع مع نتنياهو، ولا يغيب عن بالنا أن بايدن أعلن أيضاً نيته زيارة رام اللـه للقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس وذلك للبحث في حلّ الدولتين شكلياً وليس جدياً وسط حالة من النفور وفقدان الثقة بين واشنطن ورام الله.
في الآونة الأخيرة عمد العدو الإسرائيلي إلى توتير المنطقة بعد اغتيالات نفذها الموساد الإسرائيلي ضد شخصيات في الحرس الثوري وعلماء إيرانيين يعملون على مجال تطوير برنامج الصواريخ في إيران، وإقدام العدو الإسرائيلي على قصف مطار دمشق الدولي وتعطيله عن العمل، إضافة إلى وشاية العدو الإسرائيلي الدائمة بتفشيل نجاح التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني، الأمر الذي أدخل المنطقة في حالة توتر شديد، كاد يفجر المنطقة برمتها وعلى جبهات عدة.
المؤكد أن اختلافاً جوهرياً في مقاربة ملفات المنطقة بين الإدارة الأميركية وبين العدو الصهيوني، فالعدو يسعى لإقامة ما يشبه ناتو عسكرياً عربياً بقيادة وإدارة العدو الإسرائيلي، ليس دفاعاً عن العرب من إيران إنما لاستعمالهم كشبكة أمان وخط دفاع متقدم يقي الكيان الصهيوني حمم زواله ولو على مبدأ علي وعلى المطبعين، وتوريط أميركا بحرب غير محسوبة في المنطقة بذريعة التهديد الإيراني، لكن الواضح أن أميركا لها رأي آخر وهي تسعى جاهدة لإخراج الملفات الدسمة من الثلاجة الأميركية وبث الروح فيها مجدداً بغرض تعطيل التفجير المرتقب في المنطقة.
ومن الملفات التي أخرجها الأميركي من الثلاجة:
* إعادة الحياة في ملف مفاوضات النووي الإيراني ففجأة جاء تصريح الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل باستئناف المفاوضات في قطر، وترافق ذاك الإعلان مع ترحيب وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان على قاعدة تأمين المصالح الإستراتيجية الإيرانية.
*إعلان السعودية واليمن تمديد الهدنة بينهما لمدة شهرين قابلة للتجديد
*الإعلان عن موافقة الإدارة الأميركية تنفيذ اتفاقية استجرار الغاز من مصر إلى لبنان للتزود بالكهرباء الممنوعة أميركياً.
*إعلان الوسيط الأميركي هوكشتاين عن اجتماعه بالوفد الإسرائيلي المفاوض لبحث المقترحات اللبنانية ولحل معضلة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة.
*الإعلان عن زيارة رئيس وزراء العراق مصطفى الكاظمي وبدعم أميركي إلى كل من الرياض وطهران لاستئناف المفاوضات بين السعودية وإيران وعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
* تراجع الابتزاز التركي في إنشاء حزام أمني في الشمال السوري بعد معارضة أميركية.
بايدن الباحث عن إنجاز ينقذ إدارته من الفشل لم يعد أمامه سوى الإعلان عن التوقيع على ملف الاتفاق النووي الإيراني في القريب وبحجة لجم إيران عن صنع القنبلة النووية، وتأتي زيارته إلى المنطقة لتهدئة روع العدو الصهيوني ودول الخليج ولتأمين الأرضية الآمنة لتمرير توقيع الاتفاق مع إيران بأقل توتر ممكن في المنطقة لكن مع إبقائها في حال حرب بين الحروب.