رفعت ابراهيم البدوي | رئيس ندوة العمل الوطني
طوال ما يزيد على سبعين سنة والاحتلال الإسرائيلي يمعن في قتل واعتقال وتعذيب وتشريد الشبان والشابات والنساء والشيوخ الفلسطينيين دون وازع ولا رادع، إما هدم المنازل في القدس أو في مناطق الضفة وتهجير سكانها فحدث ولا حرج.
ولو احتسبنا عدد الشهداء والمعتقلين إضافة إلى مساحة الأراضي الفلسطينية التي قامت سلطات الاحتلال بمصادرتها أو بالاستيلاء عليها وسحب ملكيتها من الفلسطينيين من دون أي مسوغ قانوني، فإنه يتأكد لنا أن العدو الإسرائيلي، لم يترك وسيلة من وسائل القمع وممارسة التمييز العنصري إلا واستعملها ضد هذا الشعب المعذب.
لا غلو بالقول: إن معظم الدول العربية، وخصوصاً تلك المتواطئة مع أميركا والمطبعة مع إسرائيل، تقصدت طمس القضية الفلسطينية وأهملت الحقوق التاريخية والإنسانية لفلسطين وللشعب الفلسطيني المقهور.
سورية قلب العروبة، وعلى الرغم من جروحها النازفة، وعذابات شعبها المريرة، بقيت وحدها من بين الدول العربية التي ما برحت تدين ممارسات الاحتلال الإسرائيلي الإجرامية بحق الفلسطينيين، وجعلت من قضية فلسطين جزءاً لا يتجزأ من دستور الدولة السورية، وكذلك فعلت دولة الجزائر التي لم تترك مناسبة إلا وأعلنت صراحة مساندتها للشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال الإسرائيلي وفي تحرير أرضه وتقرير مصيره.
لم تجرؤ الجهات الدولية أو المنظمات الحقوقية على إدانة العدو الإسرائيلي على استباحته دماء الفلسطينيين، أو على تنفيذه عمليات الإعدام المتعمد لمجرد الشبهة، وخصوصاً أن دولاً عربية اختارت التخلي عن فلسطين وقضيتها وتوجهت نحو تطبيع مهين للعلاقات مع إسرائيل، وذلك لاسترضاء العم سام وبهدف حماية عروشهم ومراكز نفوذهم.
في ظل الخنوع والتواطؤ العربي على فلسطين والفلسطينيين، وانشغال سورية بمواجهة المؤامرة الكونية عليها، اعتقدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنها تمكنت من ترويض الفلسطينيين، وأنها نالت من عزيمتهم وأنهم باتوا طوع بنانها، بعد أن تقطعت بهم أوصال الدعم العربي، وجنوح بعض فصائل المقاومة الفلسطينية نحو تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، البعيد عن أهداف ومبادئ التحرر الوطني لفلسطين.
صحيح أن المقاومة الفلسطينية ردت في وقت سابق على استباحة الصهاينة للمقدسات في القدس، وعلى واعتداءاتهم المتكررة على حق المقدسيين، بالإعلان عن إطلاق عملية سيف القدس التي كان لها الأثر في النيل من هيبة الجيش الإسرائيلي، لكن بصراحة نقول إن نتائج صواريخ سيف القدس لم تكن بحجم آمال الفلسطينيين الذين تكبدوا المئات من الشهداء من الشباب والأطفال والشيوخ والنساء، إضافة إلى حصار خانق مفروض عليهم، وتهديم البنية التحتية، وتهديد حياة آلاف الفلسطينيين.
خضوع بعض حركات المقاومة الفلسطينية لضغط الدول العربية المطبعة مع العدو الإسرائيلي أسفر عن كبح جماح المقاومة، في ردع الصهاينة عن استباحة الأقصى والثأر لدماء الشهداء، الأمر الذي سمح للعدو الإسرائيلي بالإيغال باعتداءاته وبجرائمه بحق الفلسطينيين وتضييق الحصار عليهم.
من خارج الإطار التنظيمي التقليدي، وبعيداً من الضغط العربي، جاء الإعلان عن تشكيل حركة «عرين الأسود» في مناطق المخيمات، لتسجل ارتفاعاً ملحوظاً في عمليات مقاومة مسلحة يومية ضد قوات جيش الاحتلال، أوجعت وأربكت العدو الإسرائيلي الذي سرعان ما اكتشف وهم النيل من عزيمة الشعب الفلسطيني الذي أثبت أنه دائم الحضور ومستعد لبذل التضحيات الجسام، وفي ابتداع صيغ نضالية مقاومة، من شأنها قلب معادلة التطبيع الذي بلغ مرحلة التحالف العربي مع إسرائيل.
لم تأت النتائج المدوية للعملية الاستشهادية البطولية الجريئة التي نفذها «خيري علقم» غير المنتمي لأي تنظيم فلسطيني، ابن مدينة القدس البالغ من العمر عشرين ربيعاً، لتصرف في حسابات أجنحة فلسطينية ضيقة، بل إننا نستطيع القول إن «خيري علقم» قام بعمليته البطولية لأجل فلسطين، ودفاعاً عن القدس وانتقاماً لدماء الفلسطينيبن، وأحد هؤلاء الشهداء هو جده الذي استشهد عام 1998 ذبحاً على يد مستوطن صهيوني، وآخرهم 40 شهيداً سقطوا في نابلس وجنين، في ظل صمت عربي وغربي مطبق، وكأن الروح والدماء الفلسطينية أضحت محللة ومباحة، لا بل أصبحت عبئاً ثقيلاً على العرب المطبعين وعلى الغرب عموماً.
اللافت أنه عقب نجاح عملية «خيري علقم»، تسابقت دول تدعي الحرص على الحق الفلسطيني، بإطلاق تصريحات إعلامية تدين عملية «خيري علقم» في القدس، بحجة قتل المدنيين في إسرائيل وكأن الفلسطينيين لا يحسبون في سجل المدنيين.
بيانات الإدانة صدرت عن كل من تركيا والإمارات والأردن ومصر، في ترجمة فعلية لازدواجية المعايير، ومع أن البيان الصادر عن المملكة العربية السعودية يحسب في خانة حمّال أوجه، إلا أن بيان الخارجية السعودية لم يخل من كمد الإدانة لعملية النبي يعقوب التي نفذها الشاب الفلسطيني البطل «خيري علقم».
وهنا لا بد من الإشارة إلى بيان المقاومة اللبنانية المؤيد لعملية «خيري علقم» والذي استُهلّ بالآية الكريمة من سورة النساء التي تتطابق مع ظروف الفلسطينيين وتقول:
«وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ أن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللـه مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللـه عَلِيماً حَكِيماً».
أي بمعنى ولا تضعفوا في جهادكم ضد أعدائكم، فإن كنتم تألمون مما أصابكم، فإن أعداءكم كذلك يألمون، أيها المجاهدون انتم ترجون من اللـه الثواب والنصر، ما لا يرجوه لا المطبعون ولا المحتلون الصهاينة.
إن عملية «النبي يعقوب» شمالي القدس التي نتج عنها مقتل 8 مستوطنين صهاينة، جاءت بعد يوم من مجزرة نفذها الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين، أسفرت عن استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة أكثر من 40 واعتقال العشرات منهم، ذلك وفق بيان وزارة الصحة الفلسطينية، ومن دون صدور بيان إدانة أو شجب أو استنكار من تلك الدول التي تصدرت إدانة عملية فلسطينية، اختصرها المناضل الفلسطيني خيري علقم بمسدس فردي، وأعطت نتائج فاقت نتائج راجمات «سيف القدس» و«توحيد الساحات»، مستنهضة روح النضال والمقاومة ضد الاحتلال، ومؤكدة على حتمية انهيار هذا الكيان الغاصب، وانتجت خيراً لفلسطين وعلقماً للمطبعين.