رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص
شهدت المنطقة جملة من اللقاءات والقمم الثنائية والثلاثية بين رؤساء دول روسيا وإيران وتركيا، نتج عنها الإعلان عن اتفاقات جيو سياسية واقتصادية وحتى تعديل في خريطة توريد الطاقة إلى أوروبا ودول العالم، الأمر الذي سيعيد رسم الخرائط السياسية على أسس اقتصادية وأمنية ومصلحية.
مع دخول العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا شهرها السادس، ونجاح روسيا في تحقيق أهدافها، وفي قلب السحر الغربي على الساحر نفسه، تغيرت المعطيات والمقاربات بين الدول، ولاسيما بعد نشوء تحالفات جديدة في مقابل ظهور بوادر تفكك اتحادات كانت قائمة مثل دول أوروبا.
أوروبا اليوم لم تعد أوروبا المتحدة المرتكزة على اقتصاد ليبرالي قوي، مستند على دعم سياسي أميركي، الذي بدوره صار باحثاً عن داعم، ولأجل ذلك كانت زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة، واجتماعه مع قادة دول الخليج طلباً لإنقاذ إدارته، لكنه وجد أن قارب الإنقاذ بحاجة إلى ترميم فكانت نتائج الزيارة صفراً.
تخصيص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طهران، بزيارة في ظل الحرب الأوكرانية، تكتسي أهمية خاصة، وإن كانت بحجة انعقاد قمة أستانا الثلاثية، بيد أن الإعلان عن عقد اتفاقات طويلة الأمد مع الشركات الروسية للتنقيب عن النفط والطاقة في إيران، ورفع منسوب التبادل التجاري والتقني بين إيران وروسيا والصين، يعني المستقبل لعالم متعدد جديد، كما يعني انتهاء زمن النظام الغربي الأحادي.
لكن اللافت أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلقاء قمة ثنائي خاص في سوتشي، وذلك بعد أقل من أسبوعين على لقائهما السابق في طهران، ورغم قلة التسريبات عن نتائج القمة إلا أن مؤشرات عدة تشي بأن تحولات إيجابية في المواقف فرضتها المصالح السياسية والاقتصادية المشتركة، ستظهر تباعاً في المستقبل القريب المتوسط.
من حيث الشكل، فإن الرئيس بوتين خصّ الضيف التركي باستقبال لافت، كما أن القمة بين الرئيسين استمرت لأربع ساعات متواصلة، بحثت خلالها ملفات أوكرانيا وشمال سورية بالإضافة إلى ضمان توريد الطاقة الروسية إلى أوروبا من خلال تركيا واستئناف روسيا بناء المحطة النووية في تركيا.
الارتياح كان واضحاً على محيا الرئيسين خلال المؤتمر الصحافي في سوتشي، أضف إلى ذلك وداع الرئيس الروسي لأردوغان كان لافتاً باللباقة نفسها التي استقبل بها وهذا دليل على ارتياح بوتين لنتائج القمة.
نستطيع الاستنتاج أن بوتين منح أردوغان ورقة ذهبية من خلال تحويل خمسة مليارات دولار إلى البنك المركزي التركي، وبإعادة توريد الغاز الروسي إلى تركيا عبر أنبوب تورك ستريم وبأسعار مخفضة، على أن تتولى تركيا بيع الغاز الروسي إلى أوروبا، ما يعني استعادة تركيا لموقعها الاقتصادي مع أوروبا.
ومن علامات التفاهم والارتياح، ما جاء على لسان أردوغان نفسه وعلى متن الطائرة الرئاسية في أثناء عودته حيث قال: «إن الموقف الروسي حيال تركيا وحربها على الإرهاب هو موقف عادل»، وأضاف قائلاً: «إن الرئيس بوتين يريد الشروع في حل بالاشتراك مع النظام في سورية، وأنا شخصياً أرى أنه أمر منطقي، وخصوصاً أن أجهزة المخابرات في تركيا وسورية، في حالة تنسيق وتعاون منذ مدة ليست بقصيرة، وذلك للمحافظة على وحدة الأراضي السورية.
لكن المفاجأة التي لم يعلن عنها في سوتشي تكمن في استدعاء بوتين للزعيم الشيشاني رمضان قديروف للانضمام إلى القمة الثنائية في سوتشي، ما يحمل دلالات على إمكانية لعب قديروف دوراً مهماً في محاربة التنظيمات الإرهابية وبالتالي قطع الذراع الأميركية الصهيونية في سورية كما حصل في أوكرانيا.
اللهجة التركية صارت أقرب إلى اللهجة السورية، وباعتراف وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلو وحتى أردوغان نفسه، وإذا أضفنا التحسن الاقتصادي التركي بفضل روسيا بوتين وبفضل إيران لوجدنا أن أردوغان قد حصن موقعه الانتخابي القادم، الأمر سيجعل من مراوغة أردوغان متحوراً جديداً قد يصيب مصالح أميركا وإسرائيل والغرب في المنطقة وتحديداً في سورية.
في ظل هذه التحولات المهمة أعلن العدو الصهيوني الحرب على «حركة الجهاد الإسلامي» في فلسطين، وهي حرب ليست منفصلة عن سياق إقليمي ودولي، سواء من نوع التوتر الذي يلف الحدود البحرية مع لبنان، أو احتمالات حدوث اختراق في مفاوضات الملف النووي، أو بسبب الاندفاعة الإيرانية نحو روسيا، إضافة إلى الإيجابية التركية نحو سورية واستعادة تركيا لموقعها الجيوسياسي، بدعم روسيا التي تشهد علاقاتها مع العدو الإسرائيلي أسوأ حالاتها، بسبب مواقف العدو المؤيدة لأوكرانيا، وبسبب القرار الروسي القاضي بإقفال الوكالة اليهودية في موسكو.
لا غلو بالقول: إن الحرب الإسرائيلية على حركة الجهاد هي رسالة موجهة إلى إيران وخصوصاً أن بدء الحرب الصهيونية على الجهاد تزامنت مع الزيارة اللافتة لرئيس حركة الجهاد زياد نخالة إلى طهران واجتماعه مع كبار القادة الإيرانيين.
رد حركة الجهاد كان منطقياً بعد اعتقال قائد الجهاد في الضفة بسام السعدي، واغتيال قادة الصف الأول في الجهاد تيسير الجعبري و خالد منصور فالعدو لم يكن يتخيل هذا الرد من الجهاد وخصوصاً بعد تطمينات مصرية جرى نقلها للعدو بتحييد حركة حماس عن أي مواجهة، لكن حركة الجهاد ردت وبشكل فاجأ المطبعين قبل العدو.
إنها المرّة الأولى التي تتولى فيها حركة الجهاد الإسلامي قيادة المعركة ضدّ العدوّ الصهيوني، محققة نجاحاً باهراً فاجأ العدو والمتخاذلين والوسيط والعميل، وخصوصاً بعد تمكن الجهاد من فرض شروطها بإطلاق سراح الجعبري والعواودة للقبول بوقف إطلاق النار، الأمر الذي وضع العدو أمام خيارات أحلاها مر، فإما الرضوخ لتنفيذ مطالب حركة الجهاد بإطلاق سراح المعتقلين، وإلا إلى منازلة جديدة وربما تكون إقليمية هذه المرة.
يمكننا القول: إن العدو الإسرائيلي ومن يقف خلفه من وسطاء وجهات نأت بنفسهم عن المواجهة، جميعهم قد أصيبوا بنكسة كبرى، وإن مرحلة جديدة من الصراع مع العدو الصهيوني قد بدأت، الأمر الذي سيترك آثاراً سلبية على جبهة العدو الداخلية، ولاسيما على مجريات الانتخابات الخامسة المتوقعة بين أحزاب العدو.
نختم بالقول: إن مرحلة جديدة تلوح بالأفق حافلة بالتحولات والتحالفات الإيجابية وترابط الساحات والمصالح، تنتظر المنطقة، وعلينا إيجاد السبل الكفيلة للاستفادة من تلك التحولات.