رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص
ما إن انتهت قمة سوتشي بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، حتى سال حبر المراقبين والمتابعين، وازدحمت شاشات التلفزة ونشرات الأخبار بالمحللين، بهدف تشريح ما صدر عن الرئيسين في المؤتمر الصحفي عقب انتهاء القمة وبالتالي البناء على نتائجها.
بعض الكتاب والمحللين أسهبوا في السلبية بالاستناد إلى نتائج قمم روسية تركية سابقة لم تكن مشجعة، ولم تترجم على أرض الواقع وخصوصاً أن الرئيس أردوغان بات معروفاً بالرجل الزئبقي، الذي لا يمكن الوثوق بما يلتزم به أمام الملأ.
لكن بعض المتخصصين بالشأن التركي وحتى الذين يعتبرون من ضمن دائرة القرار في أنقرة، يؤكدون أن نتائج قمة سوتشي قد شكّلت نقطة تحول واضحة على صعيد العلاقات الثنائية الروسية التركية، الأمر الذي انعكس على تغير ملحوظ في الموقف التركي في ما خص الملف السوري الذي شهد نقاشاً مطولاً بين الرئيسين.
وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وفي معرض ردّه على سؤال يتعلّق بالأوضاع في سورية أجاب باستفاضة، شارحاً موقف بلاده من الانفتاح على دمشق، والذي وضع له شروطاً متّصلة بـالحرب على الإرهاب، في إشارة إلى ميليشيات «قسد» التي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني، مشيراً في الوقت ذاته إلى الاقتناع الذي بات مترسّخاً لدى تركيا، بضرورة إجراء ما سمّاه مصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة وذلك لضمان وحدة الأراضي السورية.
جاويش أوغلو أشار أيضاً، في سياق حديثه، إلى لقاء قصير وعابر أجراه مع وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، على هامش اجتماع مجموعة دول حركة عدم الانحياز في بلغراد، في تشرين الأول من العام الماضي، الأمر الذي اعتبر تمهيداً لإجراء حوار أو اتصال تركي سوري.
مما لا شك فيه أن تصريحات جاويش أوغلو جاءت متناغمة لا بل متطابقة مع تصريحات أردوغان، الذي وصف الحوار مع دمشق بالأمر البناء والمنطقي جداً وأن تركيا تسعى للحفاظ على وحدة الأراضي السورية، وأنها على استعداد لتقديم العون إلى سورية لبسط سيطرتها ومحاربة الإرهاب على طول الحدود بين بلدينا.
تصريح الرئيس التركي مع وزير الخارجية التركية جاويش أوغلو الإيجابية تجاه سورية، شغلت وسائل الإعلام وأشعلت وسائل التواصل كما أنها أثارت غضب التنظيمات الموالية لتركيا في الشمال السوري، ما دفع البعض إلى إحراق العلم التركي احتجاجاً على أي تقارب إيجابي أو مصالحة قد تنشأ بين دمشق وأنقرة.
اللافت كان تصريح وزير الداخلية التركي سليمان صويلو تعقيباً على احتجاجات المعارضة السورية حيث قال: «إن المعارضة السورية هي التي تخلت عن ثورتها ونحن دولة جارة لا يمكننا فعل أكثر مما فعلناه»، بما معناه أن المشروع التركي الأميركي في سورية، قد وصل إلى طريق مسدود وعلينا المباشرة بالحوار مع الجارة سورية.
ما يجب الإشارة إليه هنا، هو تشديد الرئيس التركي مع وزير خارجيته على إجراء مصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة، وربط تلك المصالحة بمحاربة الإرهاب وضمان وحدة الأراضي السورية.
وهنا لابد من سؤال: عن أي معارضة يتكلم الرئيس التركي مع وزير خارجيته، عن تنظيم أبو محمد الجولاني «هيئة تحرير الشام» أم عن «الجيش الحر» أو تنظيمات مخصصة لسرقة ثروات سورية، أو عصابات وتنظيمات مدعومة وممولة ومسلحة من تركيا ولم تزل تعمل بأمر مباشر من الأجهزة التركية؟
إن طلب تركيا إجراء مصالحة بين الحكومة السورية والمعارضة هو محاولة مكشوفة لتغطية التدخل التركي السافر غير المقبول، في شؤون سورية الداخلية وهنا نسأل ماذا لو اشترطت دمشق إجراء مصالحة بين أنقرة وحزب الشعوب أو بين أنقرة وحزب النصر المعارض، وذلك لضمان وحدة الأراضي التركية؟
إن اتفاقية أضنة الموقعة بين سورية وتركيا عام 1998 هي الإطار الضامن الوحيد الذي يجب الركون إليه في أي تنسيق أمني بين البلدين، ما يعني دخول أردوغان في امتحان إلغاء فكرة الأطماع الأردوغانية في سورية وترجمة تصريحاته الأخيرة تجاه وحدة أراضي سورية على أرض الواقع.
صحيح أن تركيا دولة إقليمية مهمة، لكن موقع سورية الجيوسياسي يعتبر الممر الإلزامي لمستقبل المنطقة التي تحاول تركيا أردوغان التحكم والاستئثار بقرارها، لكن صمود سورية الأسطوري ولو كان ولم يزل مكلفاً إلا أننا وبكل ثقة نستطيع القول: إن سورية استطاعت إجهاض مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي أوكل تنفيذه إلى أردوغان نفسه، وهو الآن بات مدركاً لهذا الفشل ولم يعد أمامه إلا التوجه صوب روسيا وإيران، وذلك من أجل الحصول على دعم اقتصادي يضمن فوزه في الانتخابات التركية المقبلة وبقاءه على رأس السلطة في تركيا مقابل التعاون في ملفات المنطقة وبالأخص الملف السوري.
سرت تكهنات كثيرة حول طلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إجراء لقاء قمة بين الرئيسين بشار الأسد ورجب أردوغان، وكالعادة سارعت بعض وسائل الإعلام المغرضة إلى إشاعة إجراء اتصال هاتفي بين الرئيسين وهذا ما نفته دمشق جملة وتفصيلاً، رافق ذلك تحليلات لبعض المراقبين الذين انقسموا بين وجود مؤشرات على إمكانية حصول القمة بين الرئيس الأسد وأردوغان، وإلى آخرين أكدوا عدم إمكانية حصول القمة في ظل الاحتلال التركي للأراضي السورية.
الجواب الشافي في مقابلة سابقة مشتركة بين الفضائية والإخبارية السورية وفي معرض جوابه على سؤال الإعلامية أليسار معلا قال الرئيس الأسد: «سألتيني ماذا سأشعر لو قدر لي لقاء أو مصافحة شخص من جماعة أردوغان أو أردوغان نفسه، فإنني أقول لك بصراحة لن أتشرف بذلك وسأشعر بالاشمئزاز».
وأضاف: «لكن المشاعر الشخصية شيء والمصلحة الوطنية لسورية شيء آخر، فإذا كان اللقاء سيحقق النتائج المرجوة لسورية فلا بد من القيام به وهذه مهام الدولة وأنا مؤتمن على كل ما يحقق المصلحة السورية.
تابع الرئيس الأسد: شخصياً لا أتوقع حصول نتائج إيجابية في حال حصول لقاء من هذا النوع، إلا إذا تغيرت الظروف بالنسبة للتركي الأردوغاني، ولأن أردوغان شخصية انتهازية بل هو منظومة ذات عقيدة انتهازية، ولذلك فإن أي نتائج ايجابية ستكون مرتبطة بظروف إخفاق مشروع أردوغان أو بالضغوط التي تواجه تركيا».
مما لا شك فيه أن نتائج قمة سوتشي الآخذة بالتظهّر وبالإيجابية التركية التي لمسناها مؤخراً، هي نتيجة تغير الظروف الإقليمية والدولية التي لم تعد لمصلحة المشروع التركي في سورية.