كتب رفعت البدوي | الانتخابات سواء حصلت أم طارت

رفعت ابراهيم البدوي | مستشار الرئيس سليم الحص

يبدو أن قرار الرئيس سعد الحريري منع الترشح للانتخابات النيابية بإسم تيار المستقبل، قد بعثر التوازنات القائمة على الساحة اللبنانية، ويمكننا القول أن قرار المنع، شكل قنبلة دخانية تاركاً الخصوم وحتى المؤيدين، وسط غيمة حجبت شرعية التمثيل السني عن الاسماء المتداولة، لكونها لم ترق لوزن و شعبية تيار الرئيس الحريري، الامر الذي أربك حسابات الساحتين اللبنانية والإقليمية، خصوصاً اولئك الداعين لإقصائه عن المشهد السياسي.

جهات عربية وغربية حاولت ألتوسط مع المملكة السعودية، لثنيها عن إستبعاد الرئيس الحريري وتياره عن المسرح السياسي، نظراً لتداعيات هذا الاستبعاد، وبالتالي لتجنب مضاعفات تغييب ألتيارالاكثر تمثيلاً في الطائفة السنية عن الانتخابات، ذلك تفادياً لتكرار سيناريو مقاطعة المكون المسيحي لانتخابات 1992 .

لم تلق الوساطات آذاناً سعودية صاغية، لكن بعض ألشخصيات ألوازنة في تيار المستقبل، إختارت ألتمرد على قرار الرئيس الحريري، وأصرّت على الترشح للانتخابات المقبلة بحجة ان الحياة لا تقبل الفراغ، لكن الحقيقة تكمن بان اولئك المتمردون، وجدوا الفرصة مؤاتية للانقضاض على الحريرية السياسية، في محاولة وراثية قد تمنحهم تبوؤ منصب الزعامة السنية.

وبرغم كثافة عدد المرشحين، وتشكيل لوائح إنتخابية بدوائر بيروت وبنكهة سنية باهته، لوحظ إستفحال الخطاب المذهبي التحريضي “ضد هيمنة حزب الله” ، بيد أن كل هذه الشعارات لم تأتِ اكلها، وبقي معظم الجمهور السني البيروتي، مصاباً بعسر هضم لمعظم الشخصيات السنية المرشحة، بل إنه لم يتآلف مع الأسماء المرشحة ا و مع اللوائح البديلة عن تيار المستقبل وخاصة في بيروت.

معظم المرشحين على اللوائح البديلة في بيروت، تجاهلوا كل المصائب المالية والمصرفية والمعيشية والصحية وسعر صرف الدولار الاميركي، كما نسوا اسعار البنزين والمازوت والغاز، وان 70% من الشعب اللبناني صار تحت خط الفقر، وتوجهوا للناخبين بخطاب طائفي مذهبي عالي النبرة، وذلك لشد العصب واستنفار الغرائز.

حزب الله الاقوى تأييداً على الساحة، ادرك سريعاً الخلل الذي احدثه غياب تيار المستقبل عن المشهد الانتخابي، آخذاً بالاعتبار حساسية الجمهور السني في بيروت، ولذلك كان قرار الحزب بعدم اشراك اي من الشخصيات السنية الوازنة على لوائحه في بيروت، حرصاً منه لعدم استفزاز جمهور تيار المستقبل، وكي لا يفسر موقفه بالانقضاض على الحريرية السياسية، وفي هذا بدا الحزب وكأنه يرسل رسالة لمن يعنيعهم الامر، بانه يفضل التعامل مع الاكثر تمثيلاً على الساحة السنية، اي مع الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي، كونه خبر فك الخيوط المتشابكة و يعتبر ضمانة للعبة التوازنات في لبنان.

رغم الغبار الذي يحيط بالانتخابات النيابية “إن حصلت”، ورغم انزعاج السعودية واميركا وفرنسا من تقارير مؤكدة، مفادها عدم وجود اي إمكانية لحصول انصار الحياد ونزع سلاح حزب الله على اكثرية في المجلس النيابي، لكن المؤكد ان اميركا والسعودية سلمتا بالخيبة، وذلك بناء لاخر استطلاعات التي تؤكد ان ما بين 70 الى 74 مقعدا نيابياً في المجلس الجديد ستكون من حصة حزب الله وحلفائه.

بعد التأكد من النتائج المخيبة للامال، لم تعد اولوية السعودية واميركا وفرنسا تأمين الاكثرية النيابية لاحداث الانقلاب المنتظر في ميزان القوى اللبنانية، فتحولت الاولوية للبحث عن سبل انقاذ حزب القوات اللبنانية من خيبة النتائج المنتظرة، عبر تأمين تحالفات انتخابية وتجيير اصوات المكون السني الى مرشحي القوات اللبنانية حلفاء معتمدون للسعودية واميركا، كبديل عن تيار المستقبل، كل ذلك من اجل ضمان زيادة حجم الكتلة النيابية التي يقودها سمير جعجع، بهدف تشكيل تكتل يكون رأس حربة نيابية، داعياً لتحرير لبنان من “الهيمنة الايرانية”، والادعاء بعودته “للحضن العربي” وللتأثير في انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانيةً.

فرنسا اتبعت منهجاً اكثر واقعية وعقلانية من السعودية واميركا، وقررت التنسيق مع الاقوياء في لبنان اي مع حزب الله، فالسفيرة الفرنسية في لبنان “آن غريو” لم تعد بحاجة الى غوغل ولا الى حراسه لانها باتت وجها دائماً ومألوفا في شوارع ومطاعم الضاحية الجنوبية حيث التنسيق متواصل بين فرنسا والحزب وعلى ارفع مستوى من هنا يمكننا تفسير كلام الشيخ نعيم قاسم حين قال، نعم هناك تنسيق بين فرنسا وحزب الله وان فرنسا معجبة بتجربة الحزب وان لا مشكله بالتنسيق مع فرنسا طالما يحفظ مصالح الاطراف.

 

تبقى الاشارة الى ان عوامل تطيير الانتخابات لم تزل قائمه، وخاصة من الجانب الامريكي، الخاسر الاكبر وهذا ما يفسر كلام الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حين قال ان الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها، وان اي تعطيل للعملية الانتخابية لن يكون الا من انتاج وصناعة السفارة الاميركية في عوكر.

رغم دعوات دار الافتاء والمراجع الدينية والسياسية الى التصويت بكثافة الا ان اعتكاف الرئيس سعد الحريري و غياب تيار المستقبل وعدم مشاركة اي من الزعامات السنية الوازنة في بيروت عن الانتخابات يدعونا للقول سواء حصلت ام طارت الانتخابات النيابية فلا يمكن التعويل على المزاج ولا على الاصوات السنية في بيروت خاصه ولأمد طويل.

Exit mobile version