كتب رفعت البدوي | إنه مونديال فلسطين
رفعت ابراهيم البدوي | رئيس ندوة العمل الوطني
تستضيف دولة قطر مباريات مونديال كأس العالم لكرة القدم التي تقام للمرة الأولى على أرض عربية، وتنقل وقائعها عبر وسائل إعلام من كل دول العالم.
حفل الافتتاح كان باهتاً، بيد أنه للأمانة فإن عملية التنظيم بإشراف اللجنة القطرية المولجة إدارياً وإعلامياً، كانت ناجحة بشهادة معظم البعثات والفرق.
بعض الفرق المشاركة قبيل المونديال، هددت بالانسحاب احتجاجاً على قرار اللجنة القطرية المنظمة، القاضي بمنع إظهار أو وضع أي شارة ترمز إلى تشجيع ممارسة الشذوذ الجنسي، المعروف «بالمثلية» المرفوضة في مجتمعنا العربي والإسلامي والمحرّم في كل الأديان السماوية، إلا أنه يسجل لدولة قطر وللجنة المنظمة، إصرارهما على تنفيذ قرار المنع في رسالة واضحة إلى وقف محاولات غزو الثقافات الغريبة عن مجتمعاتنا العربية.
محاولات غزو الغرب لمجتمعنا العربي مستمرة ولم تتوقف، وذلك لتشويه ثقافتنا وتخريب ثوابتنا السياسية، بهدف وضعنا في خانة التبعية والخضوع، بيد أن أحداث المونديال في قطر أثبتت عكس ذلك وخاصة من جهة الالتزام الشعبي السياسي والإنساني والثقافي بالقضية الفلسطينية، التي تّعدّ القضية المركزية للشعب العربي رغم التطبيع الحاصل من قبل بعض الحكام العرب.
لا غلو بالقول إن المونديال في قطر شكل فرصة ذهبية للتعبير عن انتفاضة شعبية عربية متضامنة مع فلسطين وشعبها، محفزة بذلك حال الوعي في أذهان وثقافة الشعب العربي المناهضة للتطبيع مع إسرائيل، ولقطع الطريق على محاولاتها غزو مبادئنا وثقافتنا العربية والظهور بصورة الكيان الطبيعي في المنطقة.
صوت الجماهير العربية المشاركة في المونديال كان هادراً بترداد الأناشيد والأغاني المؤيدة لفلسطين، وهو ما شكل حالة من استفتاء الشعب العربي المتمسك بفلسطين، الذى اتى بنتائج باهرة، ترجمت حين اهتزت المدرّجات بالنشيد الفلسطيني ورفع علمها عالياً فكانت المفاجأة المدوية التي أظهرت مدى الوعي العربي الداعم لفلسطين، وعن موج عربي عارم رافض للتطبيع ولتزوير التاريخ، ما أسفر عن فوز كاسح لفلسطين بالمونديال.
لقد عبّر الشعب العربي عن رفضه لإسرائيل عبر استنكاف مجمل المشجعين العرب التصريح لأي وسيلة إعلامية إسرائيلية، كذلك فعل الشباب القطري واللبناني والأردني والجزائري والمغربي والمصري والسوري، أما المراسلون الإسرائيليون فلم يسمعوا إلا هتافات عربية صارخة «تحيا فلسطين والحرية لفلسطين».
مشجع سعودي لم يكتف بالامتناع عن التصريح بل إنه لقّن المراسل الإسرائيلي درساً في التاريخ، حين صرخ بوجه المراسل الإسرائيلي قائلاً: لا نعترف بكم ولا وجود لكم ولا نريد ولا نقبل بشيء اسمه إسرائيل، إنها فلسطين وأنتم تحتلون أرضها العربية وتضطهدون شعبها الفلسطيني، إنهم إخوة لنا.
وختم المشجع كلامه قائلاً: اخرجوا من هنا من ارحلوا عن أرضنا لا نريدكم على أرضنا العربية.
مراسل «قناة 12» الإسرائيلية ذكر أنه ركب التاكسي متوجها لتغطية المونديال، وحين عرف سائق التاكسي أنه مراسل من إسرائيل، أوقف سيارته على الفور وطلب من المراسل الإسرائيلي النزول ومغادرة سيارته، في تعبير لافت عن الرفض الشعبي لتقبّل إسرائيل بين الشعب العربي.
القناة الإسرائيلية العاشرة عرضت في ريبورتاج متلفز قالت فيه: على الرغم من مضي عامين على اتفاقيات «ابراهام» ورغم تطبيع دول عربية علاقتها مع إسرائيل، توهمنا باختراق العالم العربي، لكن بعد الاحتكاك مع الشعوب العربية تحديداً الخليجية وشمال إفريقيا، تأكدنا من رفض الشعب العربي لفكرة العلاقات مع إسرائيل.
ما جرى في مونديال قطر يؤكد أن سلوك الأنظمة العربية وتوقيع اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل لدمجها واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المنطقة أو كياناً طبيعياً فيها، هو سلوك منفرد لا يعبر مطلقاً عن وعي ونبض وتطلعات الشعب العربي، وأن التطبيع مع إسرائيل يحصل مع الأنظمة فقط لكنه وفي الوقت ذاته بعيد كل البعد عن الشعوب وتوجهاتها المؤيدة لفلسطين وللمقاومة، ما يعكس فجوة كبيرة بين الشعوب والأنظمة المطبعة مع إسرائيل.
ما حدث في مونديال قطر شكل صفعة بوجه العدو الصهيوني، وأماط اللثام عما يختزنه الشعب العربي من مشاعر الرفض والكره لإسرائيل ككيان محتلّ لفلسطين ومغتصب الارض العربية وغير شرعي متجاهلاً كل القوانين الدولية، كما كشف النقاب عن مشاعر الشعب العربي الجياشة المتمسكة بفلسطين والمتعاطفة مع الفلسطينيين.
من النتائج الإيجابية للصورة التي أظهرها الشعب العربي في المونديال، الصدمة والخيبة التي أصابت العقل الاستراتيجي للكيان الصهيوني، كيف لا وهو العقل الذي ما فتئ يعمل على استغلال حال الوهن السياسي والاقتصادي والأمني العربي لعقود من الزمن، وهو المكلّف بوضع الخطط وإيجاد الظروف المؤاتية لتنفيذ عملية كي الوعي العربي وطمس القضية الفلسطينية وصولاً إلى القبول بوجود إسرائيل كواقع لا مفر منه.
تفاعل الجماهير العربية في المونديال والهتافات والأناشيد المؤيدة لفلسطين ولقضيتها العادلة ورفع علمها وسط الملاعب في نقل مباشر للعالم، يُعدّ انتصاراً لإرادة الشعب العربي، في مقابل الفشل الذريع للدبلوماسية الإسرائيلية، التي لطالما تفاخرت بنجاح عملية التغلغل بين الشعب العربي واظهار إمكان انخراطها في المنطقة العربية، عبر سلام مزيف أو تطبيع مذل بمعزل عن القضية الفلسطينية وبتجاوز حقوق الفلسطينيين.
إن سلوك الجماهير العربية في مونديال قطر، ينسجم تماماً مع نتائج استطلاع رأي أجراه «معهد واشنطن للأبحاث» في آذار الماضي، وأظهر نسبة الجماهير العربية المعارضة للتطبيع مع إسرائيل، إذ سجلت معارضة الشعب في البحرين نسبة 71 بالمئة، والإمارات العربية 76 بالمئة وفي المملكة السعودية 75 بالمئة، وهو ما يعني أن الأرقام تتسع، ورفض التطبيع وتوسع حال الوعي بين الشعوب يواصل نموه.
إن مقاطعة الجماهير العربية لوسائل الإعلام الصهيونية، كشفت حقيقة النبض العربي للشعوب العربية ومدى تمسكها بفلسطين وبالمقاومة الفلسطينية، وفضحت كذب وادعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي العائد بنيامين نتنياهو الذي لطالما تفاخر مراراً بأن الشعوب العربية أصبحت جاهزة للتطبيع، وأنه قاب قوسين من التطبيع مع المملكة السعودية أهم دولة عربية، الأمر الذي عزز نتيجة أضحت ثابتة باستحالة تجسيد فكرة القبول بإسرائيل وسط الشعوب والمجتمعات العربية إسلامية كانت أم مسيحية.
إن مونديال قطر 2022 شكل فرصة ذهبية سانحة للتعبير عن رأي الشعب العربي، وإظهار مشاعره الجياشة والتمسكة بفلسطين، كما أن المونديال أسهم في تحفيز واستنهاض حالة الوعي التي كانت حاضرة في صوت الجماهير التي رفعت رايات الحرية لفلسطين، مسخّرة كل طاقاتها لمناهضة التطبيع مع إسرائيل، وقطع الطريق على محاولات إظهارها بمظهر الكيان الطبيعي في المنطقة.
مـراسـل صـحـيـفـة «يـديـعـوت أحـرونـوت» فـي الدوحة قال: في قطر عرفت مدى كراهية الشعب العربي لإسرائيل، كم يريدون مسحنا من وجه الأرض، كل ما يتعلق بإسرائيل يثير حقداً شديداً في نفوسهم، الفلسطينيون والإيرانيون والقطريون والمغاربة والأردنيون والسوريون والمصريون واللبنانيون ينظرون إلينا في الشارع بنظرات الكره الشديد.
واضاف المراسل: عرّفنا عن أنفسنا أننا من إسرائيل لكن عندما رأينا أن ذلك يؤدي إلى مواجهة الشتائم الصارخة بلغة يمكن فهمها، قررنا تعريف أنفسنا كصحفيين من الإكوادور.
ويختم المراسل الإسرائيلي رسالته قائلاً: سنغادر قطر بشعور سيئ للغاية، وبصراحة أقول إنه مونديال فلسطين.