في التحقيق معها، أدلت ليال التي امتهنت التصوير منذ نحو عشر سنوات، بإفادة شابها كثيرٌ من الضعف والتناقض، إذ قالت إنّ شخصاً أجنبياً تواصل معها، عرّف عن نفسه باسم «جاستن»، وبأنّه مقيم في هونغ كونغ ويعمل في الاستثمار العقاري، زاعماً أنّه حصل على رقمها من خلال موقع google my business. ادّعى «جاستن» أنّ له صديقاً لبنانياً لا يمكنه زيارة لبنان من دون أن يوضح سبب ذلك، وأنّه يرغب في أن يفاجئ هذا الصديق بصور ومقاطع فيديو لمواقع معيّنة في لبنان، طالباً الاستعانة بها لهذه المهمة كونها مصوّرة محترفة، مقابل 50 دولاراً عن كل مكان ترسل صوره إليه، إضافة إلى كلفة النقل.قبلت ليال القيام بالمهمة رغم عدم واقعية التبرير. بدأ الأمر بطلب «جاستن» صوراً لفندق الكومودور في الحمرا، من الخارج والداخل، بحجة أنّ صديقه عمل سابقاً في الفندق. وترك لها حرية التقاط صور عامة، فزوّدته بصور لوسط بيروت والمنارة ومسجد البسطا التحتا وسوق الأنتيكا في الباشورة وأماكن وأبنية أثرية. لكن، سرعان ما توسّعت طلبات «جاستن» لتشمل تصوير مناطق سكنية كالطريق الجديدة حيث زوّدها، عبر الواتساب، بإحداثيات أحد المباني قرب الجامعة العربية. بعدها زوّدها بإحداثيات لأحد المباني في منطقة المريجة في الضاحية الجنوبية ولآخر في العمروسية. وعندما أبلغته أنّ المنطقة خاضعة لسيطرة حزب الله والتصوير فيها ممنوع، وأنّ حملها كاميرا قد يتسبب لها بمشاكل، طلب منها أن تلتقط الصور بهاتفها كي لا تلفت الانتباه، مع الحرص على أن تصور مداخل هذه المباني والشوارع المؤدية إليها.

وقد تبيّن للمحققين أنّ أحد قياديّي حركة «حماس» وأعضاء في حزب الله يقيمون في هذه المباني. كذلك أظهر التدقيق في هاتف ليال أنها أخبرت «جاستن» بأنّها دفعت مبلغاً من المال لأحد الحرّاس كي يسمح لها بالتصوير.
كذلك طلب المشغّل من ليال تصوير معمل غندور ومحيطه في الشويفات، والتقاط صور للمعمل من مبنى عالٍ في المنطقة. وزوّدها بإحداثيات لمقهى يُدعى فيروز، بين الشويفات وحي السلم، زاعماً أن زوجة صديقه كانت تحب زيارة هذا المقهى. وأفادت بأنها زوّدته أيضاً بصور فيديو التقطتها بهاتفها لكل هذه المواقع، وقالت إنها لدى وصولها إلى الأماكن المطلوبة مستعينة بغوغل ماب، كانت تتواصل مع جاستن للتأكد من المبنى المطلوب تصويره.وعندما سُئلت عما إذا كانت مقتنعة بأنه يمكن أن تكون لامرأة مقيمة في الخارج ذكريات في مقهى الفيروز، أقرّت بأن المقهى المتواضع الواقع في منطقة شعبية لا يصلح لزيارة النساء.وأفادت بأنها أبلغت «جاستن»، بعد فترة من بدء تواصلهما، بأنها ستزور دبي، فأوصاها بشراء شريحتي هاتف وتعبئة رصيدهما أياماً، وإيصالهما إلى صديق له في الإمارات، بحجة أن الأخير ينوي السفر إلى لبنان قريباً. وبالفعل، اشترت الشريحتين من محل لا يشترط إبراز الهوية، وبرّرت ذلك بأنّه لتفادي التورط في مشاكل في حال أُسيء استخدام الخطين.

صور لفندق الكومودور ومسجد البسطا وسوق الأنتيكا… والموساد طلب تصوير معمل غندور

بعد وصولها إلى دبي، اتصل بها «جاستن» وزعم أن صديقه أصيب بكورونا، وطلب منها إرسال الشريحتين عبر خدمة DHL إلى اسم وعنوان في ألمانيا زوّدها بهما، قبل أن يغيّر رأيه ويعطيها عنواناً آخر في هنغاريا.كذلك أرسلت ليال إلى المشغّل الفيديوهات التي انتشرت لأحداث الطيونة في تشرين الأول 2021، وعندما سألها عمّن تسبب في الأحداث، أجابت بأنّه حزب الله المسؤول عن تفجير مرفأ بيروت.المفارقة أن كل هذه الطلبات المشبوهة والمبرّرات الواهية لم تثر شكوك ليال في المدعو «جاستن» كما زعمت. وقالت إنه لم يخبرها باسم «الصديق» اللبناني أو مكان سكنه في لبنان، مشيرة إلى أنها سألته عن ذلك مرة فتفادى إجابتها.وعمّا إذا ساورتها شكوكٌ حول «جاستن»، أجابت بأنّها كانت تشعر بذلك أحياناً عندما كان يتجنّب الإجابة على بعض أسئلتها وينقطع عن التواصل معها لفترات طويلة. ولماذا لم تتوقف عن تلبية طلباته رغم هذه الشكوك، ورغم أن بعض المهمات التي كُلفت بها كانت في مناطق تابعة لحزب الله مع ما لذلك من محاذير أمنية؟ أجابت: «طمعت بالمال». ولدى سؤالها عمّن يهمه التصوير في مناطق نفوذ حزب الله، أجابت: «إسرائيل وداعش».
وعندما واجهها المحقّقون بأن تخفّيها لالتقاط صور في مناطق حساسة، وشراءها شريحتي هاتف من محل لا يشترط إبراز بطاقة الهوية، وكلّ ما أدلت به، كلّ ذلك يدلّ على علمها بأنّ من كانت تعمل لحسابه هو تابع للاستخبارات الإسرائيلية، أنكرت ذلك تماماً.في 16 حزيران 2022، أصدر قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل في حقّ ليال رمضان قراراً ظنياً اعتبر أن أفعالها تشكّل تعاملاً مع العدو الإسرائيلي، وطلب محاكمتها أمام المحكمة العسكرية التي حكمت عليها بالسجن، لمدة لم تتعدَّ السنة، وقد أنهت محكوميتها أخيراً وغادرت السجن!