كتب د . نواف ابراهيم | عشر دول جديدة لعضوية منظمة “شنغهاي” وسوريا تتقدّمها
الدكتور نواف ابراهيم |كاتب سياسي وإعلامي – موسكو
تستعدّ روسيا لعقد قمة دول منظمة “شنغهاي”، على مستوى الزعماء والرؤساء، في العاصمة الأوزبكية سمرقند. ومن المقرَّر إعلان قبول عشر دول، بينها سوريا والسعودية ودول أخرى من المنطقة.
هذه القمة من المفترض أن تعني الكثير لسوريا، وأن تحدّد عدداً من السمات التي يتضح أنه يتوجب على سوريا تثبيتها خلال المرحلة المقبلة، في ظلّ التقلبات والمتغيرات التي تنتج منها تحالفات وتكتلات إقليمية ودولية جديدة، سوف تغيّر وجه العالم بالتدريج، بناءً على ما نراه يجري حالياً.
إذاً، من هنا يبدو أنه يتوجّب على سوريا أن تتحضّر لهذه القمة بصورة كبيرة جداً، ولم يتبقَّ إلّا وقت قصير للتحضير للمشاركة في هذه القمة المحورية.
ومن المهم استغلال الوقت من أجل التحضير السليم للتوجه إلى زعماء القمة بخصوص الحصار الاقتصادي الظالم على سوريا وآثاره الكارثية بالنسبة إلى الدولة والشعب، وطرح ملف الأراضي المحتلة في سوريا، وتحديداً من جانب الأميركيين، أمام قادة المنظمة وتوضيح الويلات التي تعيشها سوريا من جراء هذا الاحتلال ونهبه موارد الغذاء والطاقة، على نحو أعيا الشعب عياءً ما بعده عياء.
بحسب المنطق، يبدو أن سوريا ستحاول التنسيق مع الدول المشاركة من أجل رفع صوتها عبر هذا المنبر، لأن روسيا وسوريا لا تكفيان للحصول على الضغط اللازم لتصحيح الأوضاع.
لذا، يجب أن يرفع هذه المطالب صوتُ جميع الدول المشاركة في القمة. ما سيخدم القضية السورية فعلاً هو التوضيح، على نحوٍ وافٍ، كم أن سوريا دولة معذَّبة وتعاني الأمرّين، وكم أن الأوضاع التي تمرّ فيها قاسية وخارجة عن حدود التحّمل الإنساني، بمعنى بذل كل الجهود من أجل إنقاذها. والتنسيق الموازي لتحقيق ذلك يجب ألّا يكون فقط مع الرئيس بوتين، بل مع الدول الأعضاء، وفي مقدمتها الصين، وأيضاً مع الدول المخوَّلة نيل العضوية، كإيران والسعودية ومصر والإمارات وغيرهما.
سوريا أمام فرصة تاريخية جدية، ومن على منبر دولي صاعد، ضاقت كل دوله ذرعاً بالمعاناة بسبب الجهات نفسها التي تعاني بسببها سوريا، وهذا مفتاح مهم جداً لكسر أبواب كثيرة موصَدة في وجه التعافي السوري لأسباب وحسابات متعددة.
هذه القمّة قمّة اللاحسابات، بل هي قمة القرارات والأفعال. وبالتالي، من المعقول أن يحقق استغلال فرصة الوجود والمشاركة لعدد كبير من دول المنطقة، والدول العربية في الدرجة الأولى، دفعاً لا بأس فيه من أجل تفعيل التضامن العربي مع سوريا تحت مظلة هذه المنظمة الجامعة لهذه الدول، وأن تكون سوريا أولوية، وخصوصاً أن روسيا تعمل في هذه الأيام على التشبيك المتين مع دول العالم العربي، ومع دول أفريقيا، وحتى مع آسيا، وهناك نتائج إيجابية جداً بشأن التقارب والمصالح المشتركة، ستظهر على أرض الواقع بقوة خلال فترة مقبلة، وخصوصاً أن الأميركيين يعيشون أدق مراحل ضعفهم، كونهم تصرّفوا بغباء غير معهود لأنهم عادوا دفعةً واحدة دولتين نوويتين عظميين، هما روسيا، من خلال استفزازها في أوكرانيا، والصين عبر استفزازها في تايوان.
هذا عدا عمّا سلف من إساءات ومناكفات وإجراءات تجارية وسياسية ودبلوماسية واقتصادية غير عاقلة ضد روسيا والصين وحلفائهما. وبحسب التقديرات، فإن الصين لن تبيّت الأمر من دون عقاب، وهي قادرة، وتستطيع تحمّل التكاليف الارتدادية، ومستعدة لها. وتستطيع، خلال أسبوع واحد، أن تردّ عبر ضربات اقتصادية موجعة للولايات المتحدة، ولن تنام على هذا الاعتداء، والأيام المقبلة كفيلة بإثبات هذه التقديرات.
أمّا روسيا، فحتى اللحظة لم تردّ، وهم الذين سمّوها محطة الوقود، أو القزم الضعيف، وتوقّعوا سقوطها وانهيارها خلال أيام، وزمّروا وطبّلوا لذلك وما زالوا، علماً بأن ما يجري من نتائج هو العكس تماماً، ولا أحد يستطيع إنكار ذلك. ولو أراد أحد أن ينكره فليأتِ بالحُجّة.
روسيا مسحت الأرض بهم وباستقرارهم وباقتصاداتهم، ويعيشون الرعب في كل أشكاله من دون أن تحرك ساكناً، ولم تبدأ الرد في أدنى حدوده. وقالها الرئيس بوتين صراحة: “نحن لم نُبدِ الجدية حتى اللحظة في الرد على الاعتداء الأميركي الغربي علينا”.
وفعلاً، لم تستخدم روسيا حتى الآن ما لديها من أوراق ليست خفية على أحد، وبعضها ما هو مخفيّ، وفي يد الرئيس بوتين شخصياً، رداً على كثير من الأفعال الإجرامية، المنفَّذ منها والمبيّت أيضاً، بحق البشرية جمعاء، وما كان يحضَّر من قتل جماعي للبشر بيولوجياً، وأكثر من ذلك.
المستغرب هو تقليل أهمية الإجراءات الروسية، أو قدرة روسيا على التجرؤ على اتخاذها. لا، روسيا جريئة وقادرة، نحن نشهد يومياً ما يجري من تخبّطات في الإجراءات والآراء والمواقف، على مستوى الولايات المتحدة ودول أوروبا، وفي داخلها. وشهدنا ما حدث في فرنسا وإيطاليا، ومن المنتظر، خلال شهر أيلول/سبتمبر وعلى أبواب فصل الشتاء، أن تنهار القيادة الألمانية، وسوف يسقط تحالف الديمقراطيين والخضر قبيل أن يتغير كثير من الإحداثيات الإقليمية والعالمية.
هنا نعود إلى سوريا. سوريا، دولةً وشعباً، عزيزةُ النفس. نعم. وهي قادرة على أن تبني الكثير، وتسند نفسها في عدد من المجالات، لكن لا بدّ من البدء بمشاريع حيوية مهمة.
على سبيل المثال، إطلاق مشاريع سياحية في حلب، وفي الساحل السوري، ومناطق سياحية مهمة أخرى، وتقديم أفضل الخطط لتنفيذها، من خلال الترتيب الصحيح لها، وشد السياح الروس، الذين يذهبون بالملايين إلى تركيا، التي تعوّض اقتصاد البترو دولار بالسياحة على حساب السياح الروس الذين تقدّم إليهم كل أنواع التسهيلات لزيارة تركيا.
فما الذي يُعجز سوريا، الحليفة الاستراتيجية لروسيا، عن تقديم ذلك، بدلاً من تركيا؟ هل تنقصها مناطق أثرية وجمالية وسياحية؟ السياحة ليست مزحة، وتدرّ أمولاً طائلة جداً. على سبيل المثال، لا الحصر، تعتمد إسبانيا بالكامل، في رفد اقتصادها، على السياحة، وهي ليست أغنى من سوريا في معالمها وتاريخها.
من هنا، إذا حضر الرئيس الأسد القمة، وقدّم كالعادة، كما عوّدنا، عرضاً صحيحاً سليماً لواقع الأمور، على نحو مدروس ومبرمج جيداً، عن مشاكل سوريا، وكيف يجب حلها، فستكون الأمور في الاتجاه السليم. وهنا، يتوجّب علينا أن نذكر أن القيادة والشعب وكل الإعلاميين والسياسيين الروس ممتنّون، ويذكرون أن سوريا كانت أول من اعترف باستقلال دونباس (جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك)، في وقت أنه حتى بيلاروسيا، الدولة الجارة والسلافية الشقيقة، لم تفكّر حتى اللحظة في الاعتراف بهذا الاستقلال.
والرئيس لوكاشينكو، الذي زار أوكرانيا سابقاً، قال لهم: “أنا “خاخول” مثلكم”. نعم، هو “خاخول” مثلهم، والروس سيتذكرون هذا، ولن ينسوا، في وقت قدّمت روسيا 9 مليارات دولار دعماً له. أليس من الأحق لسوريا أن تحصل على مثل هذا الدعم، بعد أن أثبتت أنها الأقرب والأكثر وضوحاً وجرأة، ونحن نعلم بأن السياسة والمصالح، حتى بين الأشقاء عدا عن الحلفاء، هي محطة توزيع الحصص واقتسام المصالح، وليست صندوقاً خيرياً لأحد، كل يكسب بمقدار ما يفعله.
ولا ننسى هنا أيضاً مواقف الدولة السورية الإنسانية مع كثير من الدول المشاركة، عندما كانت تقع في مِحَن، على الرغم من صِغَر حجمها وإمكاناتها بالنسبة إلى هذه الدول.
فسوريا لم تكن تتأخر في المواقف الإنسانية في المحن والحروب والكوارث، ولو بأضعف الإيمان. فهل نتوقع ألّا يكون هناك بادرة لرد الجميل على الأقل من الدول المعنية! وإذا نسينا قضية رد الجميل، فالكلّ يعلمون بمصلحتهم في منافع استثمار الموقع الجيوستراتيجي لسوريا، وخصوصاً بشأن المشاريع الإقليمية والدولية المقبلة، المجدَّد منها والمستحدَث.
على سبيل المثال، مشروع “طريق الحرير”، و”البحار الخمسة”، وغيرهما الكثير. لا يمكن لدول المنطقة المشاركة القفزُ عن سوريا في كل تفصيل جيوسياسي أو تجاري أو اقتصادي حيوي لوجستي. وينجرّ هذا بالتالي على مصالح القوى الدولية الكبرى، والتي ستكون رائدة في هذه المشاريع، وعلى رأسها روسيا والصين.
اليوم، يبدو أنه آن الأوان لأن يكون هناك دعمٌ للمشاريع الزراعية والصناعية والسياحية في سوريا. بات الوقت ملائماً، أكثر من أي وقت مضى، لأن تتدفق الأموال والاستثمارات إلى سوريا، على نحو سيغيّر كثيراً الواقع الحالي للدولة والشعب في الاتجاه الإيجابي المتوقَّع والموجب. وهنا، لا تستطيع روسيا وحدها أن تفعل ذلك، وتفعّل دور الأعمال ورجال الأعمال.
لذا، من الوضح أنه يجب أن تكون هناك خطة لدى السوريين، لجهة تقديم توضيح يُظهر كل ما هم قادرون عليه، وأن يحددوا النقاط التي يحتاجون فيها إلى الدعم والمساعدة، كونهم لا يريدون ولا يحبّون طلب المساعدة ومد اليد، حتى إلى أقرب الأصدقاء، على نحو مباشر ودائم. والأصدقاء يقولون: نحن لا نعلم ما يتطلّب منا من دون أن يُطلب إلينا. ويبدو أن هذا الأمر حان وقت تجاوزه، لأن سوريا ستكون شريكة أساسية، لا مستهلكة، أو سوقاً تحدِّد قيمتها سلعةٌ ما، أو جهة ما.
في قاموس الجيوبوليتيك، توجد مقولة، فحواها: “من المهم أن يكون، لكن الأهم متى”! اليوم، الأرضية شبه جاهزة للنهوض بسوريا، واليوم هو الوقت الملائم جداً للبدء والانطلاق نحو الصعود. والأهم هنا، البدء بحل المشاكل الأساسية التي لم تُحَلّ منذ عدة أعوام.
في أحد الأيام القريبة الماضية، وخلال لقاء وزير روسي مع أحد المسؤولين عن القرارات تجاه سوريا، والحديث لأحد المسؤولين البارزين السابقين والمطّلعين بصورة جيدة، وبحضوره، قال:
“سأل المسؤول الوزير: هل حللتم المشاكل التي يجب حلّها لهم؟
أجاب الوزير بغضب: كيف لنا أن نحلها، وهم لم يطلبوا إلينا. وأردف الوزير للمسؤول: تذكَّرْ جيداً أن من يطلب يُعطى.
إذاً، على سوريا أن تطلب، لا أن تستجدي، كما يفعل بعض الدول. وهذا حق معقول ومنظور ومقبول.
من المفترض أن يتحدث السوريون عن مشاكلهم بقوة الآن، وفي كل مكان ومنبر. ليس الآن وقت الصمت والانتظار والارتكاز على استشعار الحلفاء والأصدقاء والشركاء والأشقاء عن بُعد، بناءً على ظواهر الواقع، أياً كانت. يجب الحديث عن المشاكل بجرأة وقوة ووضوح. وإذا كانت عزة النفس للسوريين لا تجعلهم يطلبون، فيجب أن يكون لديهم خطة لإظهار المشاكل، ويجب على الدولة السورية أن تقول ماذا يمكنها أن تحل، وفي أي مكامن تحتاج إلى المساعدة والدعم، ويمكنها أن تطلب.
يجب على السوريين أن يتجاوزا “الشَّوب” (الحرّ) والظروف القاسية، وأن ينسوا الراحة الآن والاستجمام في حر الصيف، فلقد بقي أقل من شهر واحد حتى أيلول/سبتمبر، موعد القمة. وخلال هذا الوقت القصير يجب التحضير، في أكبر قدر من الجدية، لهذا اللقاء بين زعماء قمة “شنغهاي”، لأن هذه القمة ستُحدث كثيراً من المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية، في المديين القريب والمتوسط”. (انتهى الاقتباس).
منظمة “شنغهاي” للتعاون هي عبارة عن تحالف اقتصادي وأمني أورو ـ آسيوي، تم تشكيله في عام 1996. غالباً ما تشبه منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). وتدخل في عضويتها كل من الصين وروسيا والهند وباكستان ودول آسيا الوسطى الأربع، وهي أوزبكستان وطاجكستان وكازاخستان وقيرغيزستان. وكسبت إيران فيها صفة مراقب منذ عام 2005، لكنها تنتظر أن تحظى بكامل العضوية منذ أن قدّمت طلبها الرسمي في عام 2008.
قبول العضوية الكاملة يعتمد، في الغالب، على موافقة العضوين المؤسِّسين، روسيا والصين. وعلى الرغم من أن قرارات منظمة “شنغهاي” للتعاون تتطلّب إجماعاً، فإنها قبلت عضوية الخصمين في جنوبي آسيا، الهند وباكستان، فقط في عام 2018. ولم يكن التعامل مع العلاقات غير المنتظمة بين إسلام آباد ونيودلهي أمراً سهلاً، ولم تكتسب الثقة إلا بالتدريج، من خلال التدريبات المشتركة لمكافحة الإرهاب والمؤتمرات العسكرية تحت مظلة منظمة “شنغهاي” للتعاون.
منظمة “شنغهاي”، في مجموع دولها، تمتلك إمكانات كبيرة على المستويين الجيوسياسي والجيواستراتيجي، وفي مجال النفط والغاز والطاقة الكهربائية، وغيرها الكثير. وحصول أي دولة جديدة على عضوية “شنغهاي” يستكمل التكامل الاقتصادي الذي تهدف إليه المنظمة، بالإضافة إلى كثير من عوامل اللقاء والبنى التحتية والسوق الاستثمارية للدول الأعضاء.
الانتماء إلى هذه المنظمة يحقق الانسجام والاستقرار والفعالية للتعاون بين أعضاء منظمة “شنغهاي” للتعاون في مواجهة أي خطر مستدام على المدى الطويل. وكل هذه الميزات كفيلة بأن تجعل هذه المنظمة منتدى عالمياً مهماً.
اللافت أن انعقاد القمة الماضية جاء بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقَّع مع إيران عام 2015، والذي يرفع عقوبات اقتصادية مفروضة على طهران في مقابل تجميد برنامجها النووي.
وكان روحاني ثاني رئيس إيراني يشارك في القمة، بحيث تتمتع إيران بصفة مراقب، والتي استضافت مدينة تشينغداو الصينية نسختها الثامنة عشرة. وجرت العادة أن يشارك فيها رؤساء أكبر المنظمات الدولية، بدءاً من “الأمم المتحدة” و”رابطة الدول المستقلة” ومنظمة “آسيان”، وصولاً إلى منظمة “معاهدة الأمن الجماعي”، التي تضم روسيا ودولاً من الاتحاد السوفياتي السابق.
وتأتي قمة اليوم في ظل كثير من المخاطر والتطورات والتحديات، ومن بينها وأقربها إلى روسيا والصين مسألة إعادة محاولات ضرب روسيا في محيطها الجيوسياسي، وخصوصاً فيما يتعلق بالأوضاع في كراباخ، الأمر الذي قد يجعل الناتو يستولي عبر تركيا على أرمينيا.
وهنا يمكن إعادة إحياء مشروع العالم التركي أو الأمة التركية، الممتدة من بحر إيجه إلى سور الصين العظيم، ومحاولات زعزعة الاستقرار في البلقان والقوقاز، وهو ما جعل وزارة الخارجية الروسية تعلن أن مباحثات جنيف بشأن الأمن في منطقة القوقاز تم تجميدها، وذلك على خلفية خطط تتبناها الدول الغربية لعزل روسيا، لافتة إلى أن قضية نقل المناقشات إلى دولة محايدة أمر ملحّ في الوقت الحالي.
ومن جهة أخرى يمكن للغرب إعادة إحياء مشروع “نابوكو”. وهنا ستكون روسيا مشدودة بين جبهتي أوكرانيا والقوقاز، وكلتاهما مصيرية لها. وأي جبهة تخسرها ستكون كارثة، ومن الصعب أن تربح في الجبهتين معاً، عدا عمّا ينتظر من تسعير للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، مركز الطرد المركزي للنظام العالمي الجديد.
يبقى أن نشير، في ظل ما تقدَّم، إلى أنّ أمام سوريا، في المرحلة المقبلة، فرصاً ذهبية في معرفة كيفية تحديد تموضعها في النظام الدولي الجديد، الذي فرض نفسه على الواقع.
ومَن يَعِ استراتيجيات الاصطفاف، بناءً على مجريات الأحداث والمتغيرات القائمة، يَكُنْ في مأمن من ارتداداتها، التي ستغير وجه العالم. وقد تختفي دول بحالها عن الخريطة الجيوسياسية والاقتصادية الدولية، على الرغم من بقائها في قيد الحياة، وستختفي معها منظمات دولية كبرى، ولا يُستبعد أن يكون في مقدمتها “منظمة الأمم المتحدة”، التي لم تنفع العالم في شيء غير الذهاب نحو الأسوأ، كونها كانت وما زالت تحت سيطرة قوى النهب والدمار الشامل للدول، بقيادة أجهزة الولايات المتحدة ومؤسساتها، ما ظهر منها وما خفي.
وكما يقال “تحسب تغلب”، وسوريا أثبتت، على مر عقود طويلة من الزمن، وخصوصاً في الأعوام العشرة العجاف الأخيرة، أنها تمتلك خبرة عالية المستوى في مسألة الحسابات ودفع الفواتير، مهما ارتفعت، من دون أن تسقط في التصفيات النهائية، وقادرة على إدارة ملفات بقائها والمحافظة على كيانها، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وديمغرافياً، من دون أثر يُذكَر يهدد مستقبل وجودها ومصالحها القومية، بعد أن تستكين الأوضاع وتهمد الحروب ويأفل صراع الجبابرة إلى حين، أو إلى وقت طويل، لا يقلّ عن مئة عام أرادها مهندسوها على غير ما تتّجه الآن.