الدكتور محمد سيد احمد | كاتب وباحث مصري
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها عن العدوان الصهيوني على سورية, فمنذ بداية الحرب الكونية على سورية العربية قبل ما يزيد عن إحدى عشر عاما تحت زعم أنها ثورة شعبية على غرار الثورات العربية المزعومة في تونس ومصر وليبيا واليمن وبالطبع من يدرك ويعي الواقع الاجتماعي العربي بتفاصيله المختلفة لا يمكن أن يجمل الحديث عن هذه الأقطار مجتمعة فلكل مجتمع خصوصيته البنائية والتاريخية وهو ما يجعل المتأمل في الحالة الثورية العربية يقف كثيراً قبل محاولة إطلاق تعميمات على هذه الأقطار مجتمعة.
وبغض النظر عن موقفنا مما حدث وتوصيفنا له, وهل بالفعل ما حدث داخل بنية هذه المجتمعات يرقى إلى مستوى الثورة أم لا, فإننا يمكن أن نؤكد بما لا يدع مجال للشك أن الثورات لا يحكم عليها إلا بنتائجها, وإذا كان تعريفنا للثورة هو إحداث تغيير جذري في بنية المجتمع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية لصالح الغالبية العظمى من المواطنين, فإن النتائج التي أفضت إليها الثورة المزعومة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية تؤكد فشل هذه الثورات حتى ولو كانت هناك أسباب موضوعية لانطلاقها تختلف باختلاف كل قطر.
ولا يمكن لكل متأمل فطن أن يغفل دور القوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية في التدخل السريع على خط ما يسمى ” الثورات العربية ” في الأقطار المختلفة لتحقيق أكبر استفادة ممكنة وبالطبع هذه الاستفادة لا يمكن أن تكون لصالح شعوب هذه المجتمعات لكن دائما تكون لصالح هذه القوى الاستعمارية وحلفائها في المنطقة وفى مقدمة هؤلاء الحلفاء يأتي العدو الصهيوني الذي يمكننا الآن التأكيد دون أدنى شك أنه المستفيد الأول من وراء كل ما حدث داخل مجتمعاتنا العربية عبر الإحدى عشر عاماً الماضية.
لقد تراجعت وبشكل حاسم مفاهيم ظلت قائمة ومتصدرة المشهد السياسي المحلي و الاقليمي والدولي لسنوات وعقود طويلة من قبيل الصراع العربي – الصهيوني حيث أصبح الواقع يقول أن الصراع قد أصبح “عربي – عربي”, وأصبح العدو الصهيوني خارج حلبة الصراع, وتراجعت القضية الفلسطينية بقوة مقابل تصدر الأزمة السورية والليبية واليمنية للمشهد العربي بشكل ملحوظ.
ولا يمكن لأحد الآن أن ينكر دور الولايات المتحدة الامريكية والعدو الصهيوني في دعم النزاعات الداخلية لاستمرار عدم الاستقرار داخل المجتمعات العربية خاصة في مصر وسورية, فمن المعلوم تاريخياً ومنذ إعلان العدو عن دولته المزعومة أنهم يسعون إلى تصفية الجيوش العربية, حيث أكد بن جوريون قائدهم المؤسس أن إسرائيل لا يمكن أن تعيش آمنة إلا بالقضاء على ثلاثة جيوش عربية “المصرى والعراقي والسوري”, وإذا كان الجيش المصري قد تم تحيده ( مؤقتا بعد اتفاقية كامب ديفيد ) باعتباره الأكبر والأقوى تمهيدا لانقضاض عليه في وقت لاحق, فإن الأمريكي قد تدخل بنفسه مباشرة لتخليص العدو الصهيوني من الجيش العراقي وتمت العملية بنجاح بعد الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003.
وعندما برزت على السطح بوادر ما يطلق عليها الثورات العربية المزعومة كانت الجماعات التكفيرية الإرهابية تلك الأدوات الاستعمارية المزروعة داخل مجتمعاتنا العربية جاهزة لخوض معركة شرسة مع الجيشين المصري والسوري, وكانت دائما الحماية الأمريكية والسلاح الأمريكي جاهزاً هذا إلى جانب التمويل الخليجي الذي يحلم بأن يحل محل المصري والعراقي والسوري كمتصدر وقائد للمشهد العربي.
وبنجاح الجيش المصري في الإطاحة بالجماعات التكفيرية الإرهابية من سدة الحكم والتي استولت عليه في لحظة فارقة من عمر المؤامرة على مصر, كان لابد على العدو الصهيوني أن يبحث عن وسيلة جديدة لاستنزاف الجيش المصري حتى لا يكون على استعداد لمواجهته في أي لحظة, وبما أن كامب ديفيد مازالت قائمة فإن أي تدخل صهيوني مباشر سيكون غير ممكناً, لذلك تم دعم الجماعات التكفيرية الإرهابية على جبهات مصر الحدودية ( الجبهة الشرقية مع فلسطين المحتلة والجبهة الغربية مع ليبيا المغدورة والجبهة الجنوبية مع السودان المنحورة), وبذلك يؤجل العدو الصهيوني مواجهته المباشرة القادمة لا محالة مع الجيش المصري.
أما سورية فموقفها مختلف إلى حد كبير فهي الدولة العربية الوحيدة التي عجز العدو الصهيوني عن النفاذ إليها عبر البوابة السياسية التطبيعية فلم يتمكن العدو من تحييد جيشها ولو مؤقتاً, ولم يتمكن الأمريكي من جعلها دولة تابعة له اقتصادياً أو عسكرياً أو حتى ثقافياً, لذلك ظلت هى العقبة الحقيقية في وجه المشروع الصهيوني, لذلك عندما برزت موجة ما أطلق عليه الثورات العربية المزعومة تم تغذية الجماعات التكفيرية الإرهابية الكامنة بالداخل وأرسل إليها المدد مزيد من التكفيريين الإرهابيين من كل أجناس الأرض, وبصلابة وبسالة وشجاعة الجيش العربي السورى تمكن من التصدي لها, وكلما شعر الأمريكى والصهيوني أن أدواته الوكيلة على الأرض تهزم يجن جنونها.
لذلك لا عجب عندما نجد احتلالاً أمريكيا مباشراً للأراضي العربية السورية, ولا عجب بالقطع أن تتكرر الاعتداءات الصهيونية على المواقع العسكرية للجيش العربي السوري فهو المستهدف الأول من هذه الحرب الكونية على سورية وآخر الاعتداءات على مطار دمشق الدولي هذا الأسبوع, لذلك يجب أن ندرك ونعي أن العدوان الصهيوني على دمشق العروبة لن يتوقف بل هو بداية لمواجهة مباشرة مع الجيش العربي السوري الذي يعتقد العدو خطأً أنه منهك من طول المعركة مع الأدوات التكفيرية الإرهابية, وبعدها يتفرغ العدو الصهيوني لمعركته الأخيرة مع الجيش المصري, وهنا وإن كنا لا نعول كثيراً على الموقف العربي المخزي من العدوان الصهيوني على سورية, فإننا لا يمكن أن نقبل الصمت المصري لأن المعركة مشتركة ومن بدأ بسورية حتماً سيثني بمصر, اللهم بلغت اللهم فاشهد.