الدكتور محمد سيد احمد | كاتب وباحث مصري
ليست المرة الأولى التي نتحدث فيها ونكتب ونحلل واقع وطموح جماعة الإخوان المسلمين في مصر, فالجماعة التي أنشئت قبل ما يزيد عن تسعة عقود ونيف من الزمان أصبحت جزء من التاريخ الأسود لمصر منذ بروزها على الساحة المجتمعية وحتى الآن, فالجماعة التي ولدت في أحضان الاحتلال البريطاني وترعرعت في كنفه وشملتها رعايته ودعمه سعت منذ لحظة الميلاد للوصول للسلطة رغم أنها أعلنت نفسها في البداية كجماعة دينية دعوية, ثم انتقلت للعمل الاجتماعي, ثم تبلور دورها السياسي مع تبلور الحركة السياسية في أربعينيات القرن العشرين, ومع قرب نهاية الأربعينيات قامت باغتيال رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الذي أصدر قرار بحل الجماعة في 8 ديسمبر 1948 وذلك على خلفية اتهام الجماعة بالتحريض والعمل ضد أمن الدولة, وبعدها بعشرين يوما لقى النقراشي حتفه, فرد القصر باغتيال مؤسس الجماعة ومرشدها العام حسن البنا في 12 فبراير 1949, ومن هنا برزت طموحات الجماعة كجماعة سياسية تسعى للوصول للسلطة بعيداً عن الدور الديني والدعوي الذي تتستر خلفه, والدور الاجتماعي الذي تتخذه وسيلة لكسب المؤيدين والأتباع.
وعندما قامت ثورة 23 يوليو 1952 عادت الجماعة من جديد وحاولت التقرب من الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة الذي أعلن حل الأحزاب السياسية في 16 يناير 1953 بعدما تأكد أنها السبب وراء بقاء الاحتلال البريطاني حيث كان أغلبها إما عميل للاحتلال أو موالي للقصر والملك الفاسد, وظلت الجماعة قائمة رغم تأكد مجلس قيادة الثورة من دورها السياسي, بل حاول المجلس التعاون معها في تشكيل الحكومة وعرض جمال عبد الناصر على مكتب الإرشاد ترشيح ثلاثة من أعضاء الجماعة لتولي مناصب وزارية في أول حكومة بعد الثورة ورفض المرشد حسن الهضيبي وكان يطمع في زيادة العدد, فأقنع جمال عبد الناصر الشيخ الباقوري عضو مكتب الإرشاد وأحد المرشحين لتولي منصب المرشد العام للجماعة خلفا لحسن البنا بتولي منصب وزير الأوقاف فوافق الرجل وغضب الهضيبي بشدة من مخالفة الباقوري لقرار الجماعة بالامتناع عن المشاركة في الحكومة واستدعى الباقوري وأجبره على تقديم استقالته من جميع مناصبه بالجماعة ومن عضوية الجماعة ذاتها, وفي نفس اليوم أجرى الهضيبي اتصالا بجميع الصحف لإبلاغها بأن الباقوري لم يعد عضوا بالجماعة بمجرد قبوله المنصب الوزاري ومن هنا بدأ العداء بين الجماعة ومجلس قيادة الثورة, وكانت المواجهة الكبرى في حادث المنشية الشهير حيث قامت الجماعة بمحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في 26 أكتوبر 1954, وفي 29 أكتوبر وبعد ثلاثة أيام فقط من الحادثة صدر قرار حل الجماعة للمرة الثانية والذي استمر حتى وفاة جمال عبد الناصر عام 1970, وتؤكد الوقائع والأحداث خلال فترة حكم جمال عبد الناصر أن الجماعة سياسية وتسعى للسلطة على المستوى الاستراتيجي بينما دورها الديني والاجتماعي يتم من قبيل التكتيك.
وجاء الرئيس السادات للحكم والجماعة منحلة ومحاصرة وقيادتها بالسجون والمعتقلات فقام باستدعاء مرشدها العام عمر التلمساني وعقد معه صفقة سياسية بعودتهم للعمل السياسي في مواجهة خصومه السياسيين من الناصريين والشيوعيين, فانطلقت الجماعة تعمل بحرية شديدة تحت مظلة السلطة الحاكمة وبحماية شخصية من السادات, حتى جاءت معاهدة كامب ديفيد وكانت قد خرجت من تحت عباءة الجماعة العديد من التنظيمات الإرهابية التي لقى السادات حتفه برصاص إحداها وهو تنظيم الجهاد الذي كان يتزعمه محمد عبد السلام فرج كمفتي للتنظيم ويقود جناحه العسكري عبود الزمر, وخلال هذه المرحلة ترسخت فكرة أن الجماعة سياسية وليست دينية ولا اجتماعية.
وخلال فترة حكم مبارك قام بمهادنة الجماعة ومنحها فرصة العمل السياسي العلني من خلال التحالف مع الأحزاب السياسية تارة والعمل المنفصل تارة أخرى, رغم أنه كان يعلن أنها جماعة محظورة, وتمكنت الجماعة من التسلل داخل مؤسسات المجتمع المختلفة ووصل 88 عضو منها لمجلس الشعب في انتخابات 2005, وظلت الجماعة تتغلغل داخل بنية المجتمع من خلال الخدمات الاجتماعية التي تقدمها للفقراء في الوقت الذي تخلت فيه حكومات مبارك عن مسؤوليتها تجاه مواطنيها, وعندما اندلعت شرارة الأحداث في 25 يناير 2011 وأطاحت بمبارك وحزبه الحاكم كانت الجماعة جاهزة للسطو على السلطة رغم أنها كانت تدعى أنها جماعة دينية دعوية تمارس العمل الاجتماعي بعيدا عن العمل السياسي.
ثم جاءت أحداث 30 يونيو 2013 وتم الإطاحة بالجماعة من سدة الحكم, وفي 6 نوفمبر 2013 أيدت محكمة القاهرة حكما قضائيا سابقا بحظر جماعة الإخوان المسلمين ونشاطاتها في مصر وهو تأييد للحكم الصادر في 23 سبتمبر 2013 وهو حكم من الدرجة الأولى والقاضي بحظر أنشطة الجماعة في الدعوى المقامة من حزب التجمع, وخلال السنوات التسع الماضية والجماعة محاصرة وقياداتها قيد المحاكمات داخل السجون, وخلال هذا الأسبوع ومع انطلاق الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس السيسي في رمضان الماضي والجماعة تحاول المشاركة في الحوار بكافة الطرق كمحاولة لفك الطوق الملفوف حول عنقها, وفي محاولة جديدة للاختراق يطلق المرشد العام المؤقت للجماعة إبراهيم منير المقيم في لندن تصريحا له “بأن الجماعة ينحسر دورها في العمل الخيري والدعوي دون الدخول في صراع على السلطة أو التنافس مع الأحزاب في الانتخابات البرلمانية”, وبالطبع هذه خدعة جديدة من خدع الجماعة يجب أن لا تنطلي على أحد فالجماعة سياسية بالأساس ودورها الدعوي كان دائما لدغدغة مشاعر البسطاء, ودورها الخيري كان بهدف كسب المؤيدين والأتباع من الفقراء الذين لا يلقون رعاية كافية من الدولة, فإذا كان واقع الجماعة اليوم يقول أنها في أضعف حالاتها إلا أن طموحها لازال هو الوصول للسلطة, اللهم بلغت اللهم فاشهد.