الدكتور محمد رقيّة | استاذ جامعي وباحث اكاديمي
الكثير من السياسيين والمعلقين والمتحدثين والكتاب والممثلين والاعلاميين ينتقدون الحكومات والمسؤولين والآخرين وليس آخرهم الممثل فراس ابراهيم ويطلبون منهم التفكير خارج الصندوق . على الرغم من ان الكثير منهم بتقديري لايعرف معنى هذه العبارة الواسع وكيف ظهرت والى أين تقود.؟!!!
فما هو الصندوق الذي يجب أن نفكر خارجه؟
في عام 1899 قال مفوض الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية، شارلز هولاند (كل شيء كان من الممكن اختراعه قد تم اختراعه) قال تلك العبارة أيام كان أقصى وسيلة للسفر عرفها الناس هي الخيل والقطارات البخارية فلا سيارات ولا طائرات ولا صواريخ ولا كمبيوترات ولا موبايلات ولا تلفزيونات ولا لاسلكي ولا توابع صنعية ولا مراكب فضائية ولا وسائل اتصال لا أرضية ولا فضائية التي جعلت الأرض الآن مزرعة صغيرة نعلم مايحدث فيها بلحظة واحدة.
هذه المقولة تعني بالضبط كيف يكون التفكير داخل الصندوق.
تخيل أنك تعيش داخل صندوق تضع فيه كل احتياجاتك، ملابسك وكتبك واقلامك واكلك وشربك وماءك وحمامك وتمارس فيه حياتك بما تيسر لك داخل الصندوق، فما الجديد الذي ستقدمه؟ لا شيء، فأنت لاتحتاج سوى المتوفر والبالي والمهترئ والفاسد والصالح مما تملك، مثلما كان أقصى أمانينا في السبعينات أن نمتلك تلفزيون ملون
الصندوق هو رمز لكل قيد ومنع وضغط تمنع رؤية الخارج وتغلق العقل وتشل الأعضاء. على وزن الرجل المعلب الذي كتبت عنه مقالا” قبل عدة أعوام .
التفكير خارج الصندوق هو التفكير بشكل إبداعي وبشكل مختلف عن المألوف بهدف إيجاد حلول إبداعية وغير تقليدية للمشاكل، ويعتمد ذلك بشكل أساسي على إطلاق العنان للفكر والخيال بعيداً عن التصورات المسبقة والحلول البديهية، أي التخلي عن أكبر قدرٍ ممكن من القيود من أجل الوصول لأفكارٍ أصلية ومبدعة ومبتكرة”.
إن التفكير خارج الصندوق هو تفكير عقلاني ومنطقي، وليس تفكيرا اعتباطيا أو فوضويا، ومن الضروري التأكيد على أن الدعوة إلى التفكير خارج الصندوق لا تعني إدارة الظهر لكل ماهو قديم
التفكير خارج الصندوق يعني أن تحطم الصندوق الذي غل يديك ورجليك وعقلك داخل جدرانه الأربعة، وان تفكر بطريقة مختلفة ولسوف تدهشك رؤية ماغاب عنك طوال فترة رجودك داخل الصندوق.
انتقي مما في الصندوق مايصلح فاستخدمه ومايمكن تطويره وتعديله فطوره وعدله، تخلص من البالي والمهترئ واستبدله بالجديد الذي يتوافق مع فكرك المنطلق الجديد الذي لا تحده أطر ولا قوالب .
كل التحولات العظيمة في عالمنا بدأت بفكرة خارج الصندوق فكرة غير مألوفة آمن بها أصحابها و عملوا من أجل تحقيقها .. فمثلا مخترع السلم الكهربائي ” جيس رينو ” الذي فكر في أن يحرك السلم بدلا من أن يتحرك الناس عليه .. هل تفكيره نمطي ؟ بالطبع لا و هذا مثال بسيط فقط للتفكير خارج الصندوق
اذكر لكم مثالا” آخر للتفكير خارج الصندوق “بما كانت عليه حال ماليزيا في سبعينيات القرن الماضي، من تخلف وفقر شعبها وانتشار الأمراض كالتيفوئيد والملاريا بسبب تجمع المياه الآسنة وعدم وجود سبيل لجريانها بشكل مستمر دون انقطاع حتى جاء مهاتير محمد العظيم ، الذي أعاد تصميمها وبنائها وصنع نهضتها لتصبح من الدول السياحية الأولى في العالم وتكون من النمور السبع في آسيا”.
طرق التفكير خارج الصندوق
يشير العديد من الباحثين الى أنه اذا كنا تريد الخروج من الصندوق ومشاهدة الصورة الكاملة فهناك العديد من الطرق التي ستمكننا من الوصول لهدفنا والتمكن من النظر للأشياء بشكلٍ مختلف، من أهمها:
١- تغيير الأفكار والعادات والطرق في إنجاز الأشياء :
عندما تواجه تحدٍ ما فإنّ أول ما قد تميل لفعله هو محاولة الاعتماد على التجارب السابقة لإيجاد الحل المناسب، رغم إمكانية نجاح هذه الطريقة إلا أنّ الحلول الإبداعية تتطلب الابتعاد عنها ومحاولة تغييرها. بتبديل بعض العادات اليومية والابتعاد عن الأمور التي اعتدنا على فعلها في الماضي وهذا سوف يُساعد على توسيع آفاقنا والتخلص من القيود التي تحجب عنا الرؤية.
٢- التخلص من عقدة الخوف والفشل:
التفكير الإبداعي يحتاج بشكل أساسي إلى المجازفة والتغيير دون الخوف من ارتكاب الأخطاء، علينا أن نتذكر أنّ التعرض للفشل قد لا يكون شيئاً سيئاً بالضرورة وأنّ الفشل حتى لو تكرر قد يكون المحطة التي تسبق الوصول للنجاح.
٣- علينا الأخذ بوجهات النظر المختلفة:
التفكير خارج الصندوق يتطلب منا أخذ وجهات نظر مختلفة وتخيل انفسنا في مكان الآخرين، كما يجعلنا التفكير في جميع النواحي من وجهات نظرٍ مختلفة؛ ننظر للأمور بشكلٍ مختلف ونفكر بشكلٍ أوسع من السابق، وبالتالي لا يظل تصورنا محصوراً في زاويةٍ ضيقة.
٤- يجب علينا ممارسة دور (محامي الشيطان) على الحجج:
إن لعب دور محامي الشيطان يعني أن نحاول إيجاد الحجج المناقضة لحججنا وأفكارنا . فنحن بحاجة لهذا الشيء بهدف التفكير بموضوعية، لأنه سيجبرنا على إيجاد الثغرات والمشاكل في طريقة تفكيرنا، وهذا سيساعد في توسيع مداركنا ومحاولة تدارك المشاكل التي نكتشفها.
٥- محاولة تطوير مهارات جديدة:
إن اكتساب مهارة جديدة قد يمكّننا من إيجاد العديد من الطرق الجديدة لتجاوز المشاكل التي تُواجهنا ، المهارة الجديدة لا تمنح أفكاراً جديدة وحسب بل تشكل فرصة لاستكشاف أنماط فكرية ومسارات لم تكن واضحةً أمامنا.
٦- كسر الروتين الممل
إن تكرار العمل نفسه كل يوم، سيقوم بتعطيل العقل والإبداع، فعلينا البحث عن الطرق التي تقلل الروتين في حياتنا، وتجدد نمط التفكير والعمل لدينا.
إن التفكير خارج الصندوق يساعد على إيجاد اسلوب لحل المشاكل وعلى التميز وعلى مواكبة المتغيرات ويزيد من النجاح وجودة العمل.
لا بد في النهاية من تبني مقولة تختصر مفهوم التفكير خارج الصندوق وهي “لا تدعني أمشي عندما أريد أن أطير”.
فهل تفكر حكوماتنا او تسعى للتفكير خارج الصندوق وتدفع الآخرين على التفكير بهذا الاتجاه؟ لننهض بهذا الوطن في وقت هو بأشد الحاجة إلى افكارنا الإبداعية.
فكروا جميعا” حكومات ومواطنين خارج الصندوق.