الدكتور محمد رقية | باحث اكاديمي واستاذ جامعي
في عام 2011 نشرت في جريدة تشرين السورية مقالا عن الكيمتريل وحروب أمريكا المناخية أشرت فيه الى تطور الدراسات المرتبطة بالهندسة المناخية لدى الدول المتقدمة وإمكانياتها الكبيرة للتأثير في المناخ وتحويله بما يتناسب مع أهدافها ليس فقط الوطنية وإنما العدائية تجاه الدول الأخرى وهذا ما تمثله الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الاستعمارية الأخرى من خلال استعمال الكيمتريل وهو عبارة عن مركبات كيماوية مختلفة وألياف بيولوجية دقيقة يمكن نشرها بالطائرات على مختلف الارتفاعات الجوية لأغراض استحداث الظواهر الطبيعية اصطناعيا كالعواصف والأعاصير والسحب والاستمطار والتحكم بظواهر الجفاف والرطوبة والتصحر على مساحات واسعة. وبهذه التقنية يمكن التحكم بمسار السحب العابرة وإيقافها عن طريق إثقالها بالمركبات الكيماوية ثم إجبارها على التكاثف والنزول إلى أماكن محددة على الأرض وهو ما يعرف بالاستمطار , أو بعثرتها لتمنع الأمطار كما فعل الاتحاد السوفياتي أثناء دورة الألعاب الأوليمبية عام 1980 في موسكو التي شاهدتها بأم العين أثناء حضوري فعاليات هذا الأولمبياد .
وقد أجرينا في سورية في وزارة الزراعة بعض تجارب الاستمطار منذ تسعينات القرن الماضي.
وأشرت حينها أن الكيمتريل تقنية مزدوجة الاستخدام، سلميا وعسكريا! إلا أن واشنطن أبت فيما يبدو أن تخدم البشرية واستخدمت تلك التقنية في الأغراض العدائية ليصبح الكيمتريل من أسلحة الدمار الشامل منذ نهاية القرن الماضي
كما بينت أن العالم الكندي ديب شيلد”، الذي اغتيل لاحقا” ، أعلن في عام 2003 أنه اطلع على وثائق سرية عندما كان يعمل في المشروع عن إطلاق الكيمتريل فوق كوريا الشمالية لمنع تساقط الأمطار فوق أراضيها وعانت من الجفاف لمدة ثلاث سنوات ,وأفغانستان باقليم تورا بوارا لتجفيفها ودفع المقاتلين والسكان للهجرة وإقليم كوسوفو أثناء الحرب الأهلية اليوغسلافية وأطلق فوق العراق منذ عام 1991 بعد تحميله السلالة النشطة من الميكروب المهندس وراثيا.
وقد طورت أمريكا هذا الأمر لاحقا” من خلال مشروع ( هارب ) وهو نظام للتحكم في منطقة الغلاف الجوي الأيوني للأرض, وهو من أقوى أسلحة الدمار الشامل وأحد أشكال أسلحة الإبادة الجماعية من خلال التحكم والتلاعب بالمناخ, ويستخدم للتحكم بأحوال الطقس في أي منطقة من العالم .
وفي 13 -9- 2015 كتبت مقالا” بعنوان سؤال هام وخطير نشر على عدة مواقع الكترونية بحثت فيه أسباب العاصفة الغبارية التي أصابت سورية والعراق واستمرت اسبوعين متواصلين في أوقات لا تحدث فيها مثل هذه العواصف في سابقة خطيرة لم تحصل من قبل واستنتجت بأنها ناتجة عن الفعل الأمريكي الخبيث وأكد هذا الاستنتاج بعد عام مركز فيرل الألماني للدراسات
ثم نشرت في 19- 5- 2018 مقال بعنوان التطرف المناخي .أشرت فيه الى ملاحظة تطرف مناخي شديد بمنطقتنا في السنين الأخيرة ببعديه السالب والموجب سواء في الصيف والشتاء أو في الليل والنهار وآثاره السلبية على المياه والزراعات المختلفة والبنى التحتية للمناطق المصابة
ثم نشرت عدة مقالات أخرى عن تحولات المناخ كان آخرها البحث الذي نشر في العدد 62 من مجلة الزراعة بعنوان الاحترار العالمي والتغيرات المناخية في آخر عام 2021 .
الآن وفي ضوء ما نشاهده من انزياحات وتطرف مناخي شديد في سورية والمنطقة تمثل في استمرار البرودة والعواصف خلال معظم أيام الربيع حيث ، شهدت مناطق عدة خلال الأشهر الثلاثة الماضية، عدة منخفضات جوية متتالية، ترافقت مع عواصف ورياح شديدة وموجات صقيع، أدت إلى وقوع أضرار كبيرة في المواسم الزراعية (الخضار والفواكه)، من بينها العواصف الغبارية والرياح الشديدة التي طالت محافظات الرقة , دير الزور والحسكة شمال شرقي سوريا. في منتصف أيار الماضي (2022) وأدت إلى عدة وفيات ومئات الإصابات بحالات اختناق وخاصة في محافظة دير الزور. وتعتبر هذه العواصف غريبة بشدتها وتأثيراتها الكبيرة ، إذ أدت لانهيار أسقف واقتلاع أشجار وجدران منازل في مناطق عدة بمدينة دير الزور وريفيها الغربي والشرقي. وانهارت عدة أبراج للتيار الكهربائي مما أدى لانقطاع الكهرباء كلية عن المنطقة .
وغطّت هذه العاصفة الغبارية العراق بالرمال، واستمرت لنحو شهر وتسببت بحالات اختناق لأكثر من 5 آلاف شخص وأدخلتهم إلى المستشفيات، وأدت لإغلاق المطار والإدارات العامة. ووصلت حتى الكويت.
وكان آخر هذه العواصف, العاصفة الهوجاء التي ضربت عدة مناطق في سورية يومي الجمعة والسبت 24 و25 حزيران (2022) وخاصة في المناطق الساحلية ومدن اللاذقية وطرطوس وبانياس وجبلة بوقت غريب وهو عز الصيف لم يحصل مثلها قبلا” حتى في أيام الشتاء’ والتي أدت الى خسائر بشرية ومادية كبيرة تسببت بوفاة شخصين ، في اللاذقية، وإصابة 10 أشخاص بجروح متفاوتة، وتضرر نحو 70 سيارة، جراء تساقط أشياء صلبة عليها وأكثر من 500 شجرة، وسط أحياء مأهولة بالسكان في
مدن اللاذقية وطرطوس، وغرق زورق بحري ،. كذلك جنوح نحو 40 مركباً في سواحل بانياس وطرطوس، وأُلحقت أضرار كبيرة في القوارب، إضافة لأضرار مادية كبيرة في منشآت التخييم والسياحة والاصطياف على شواطئ (قنديل ورأس البسيط) في ساحل اللاذقية.
كما أن «وزارة الكهرباء» ، قالت إن هذه العاصفة تسببت بأضرار جسيمة على الشبكة الكهربائية، انهار معها عدد من أبراج التوتر المتوسط والمنخفض في مناطق مختلفة من محافظة اللاذقية، وحدوث ميلان في أعمدة حديدية أخرى نتيجة سقوط الأشجار عليها، ما تسبب بفصل التيار الكهربائي عن مناطق واسعة في المحافظة.
وهذا يشير إلى أن الطقس لم يعد عاديا وطبيعيا كما كان الناس معتادين عليه على مدى القرون الماضية بل أصبح منزاحا” ومتطرفا”. ففي مناطق يحدث جفاف شديد وبنفس الوقت يحدث في مناطق أخرى فيضانات كارثية وبأوقات غير معهودة سابقا”.
يعود هذا الأمر وفق ما أراه إلى سببين يمكن أن يعملا معا” ويتكاملان بفعليهما أو يعملان بشكل منفرد
1- السبب الأول هو التغير المناخي الناتج عن النشاط البشري المتمثل بالحروب والمصانع بكل أنواعها ووسائل النقل المختلفة التي تنفس السموم وإزالة الغابات وكل النشاطات الأخرى والتدخل في الطبيعة والذي يفعل فعله على مستوى الكرة الأرضية بسبب الاحترار العالمي الناتج عن غازات الدفيئة التي تتجمع في الغلاف الجوي بكميات كبيرة كثاني أكسيد الكربون والميتان وأكسيد النيتروز وغيرها . فقد وصل تركيز ثاني أكسيد الكربون في أيار من عام 2022 إلى 420 جزء في المليون، أي أكثر من 150 في المائة من مستواه قبل العصر الصناعي في عام 1750. ولم يسبق أن سُجل له مثيل منذ نحو أربعة ملايين سنة وبلغت كميته 37 مليار طن في السنة. حيث أن مستواه كان ثابتاً قبل الثورة الصناعية على نحو 280 جزءاً في المليون، وساهم هذا الغاز بنحو 80 في المائة في هذه الزيادة. يليه غاز الميتان في التأثير.
وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن عام 2019 هو ثاني أكثر الأعوام حرارة منذ بدء تسجيل البيانات الدولية لدرجات الحرارة. كما اعتبر تسعة عشر عامًا من أكثر الأعوام دفئًا منذ عام 2000 ،. وتعادل عام 2020 مع عام 2016 كأدفأ عام مسجل منذ بدء حفظ الأرقام القياسية في عام 1880..و قد بدأت هذه الظاهرة تؤدي إلى “عواقب وخيمة” أهمها تزايد موجات الحرارة والجفاف والحرائق والفيضانات.
تشير تقديرات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن الأنشطة البشرية تتسبب في احترار عالمي بمقدار 1 درجة مئوية تقريبا فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي،. ومن المرجح أن يبلغ الاحترار العالمي 1,5 درجة مئوية بين عامي 2030 و2052 إذا ما استمر في الزيادة بالمعدل الحالي.
ويشهد كثير من الأقاليم في العالم احترارا أكبر من المتوسط السنوي العالمي، حيث يبلغ مثلا” في المنطقة القطبية الشمالية مثلي أو ثلاثة أمثال المتوسط العالمي (وعادة ما يكون متوسط الاحترار أكبر على اليابسة منه فوق المحيطات ).
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أكثر تعرضا” لمثل هذه التأثيرات بسبب بيئتها الجافة وشبه القاحلة، وتواجه تحديات مناخية عديدة، كتراجع المعدل السنوي لهطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وجفاف التربة. من المتوقع أن تتفاقم الظروف المناخية التي تزيد فرصة حدوث مثل هذه الظواهر في المنطقة العربية وشمال أفريقيا خلال القرن الحادي والعشرين. ومن المتوقع أيضا” أن تصبح بعض المناطق غير صالحة للسكن قبل حلول عام 2100 في حال لم تتراجع انبعاثات غازات الدفيئة فيها بشكل كبير.
كشفت مجلة Foreign Policy، الأربعاء 25 أغسطس/آب 2021، أن التغير المناخي الذي يضرب العالم في السنوات الأخيرة سيحول العديد من البلدان في الشرق الأوسط إلى أماكن “مشتعلة الحرارة” لدرجة غير قابلة للسكن. وقالت إن الظروف المناخية القاسية ستصبح روتينية وقد تتعرض المنطقة لأربعة أشهر من أشعة الشمس الحارقة كل عام.
يؤدي كل ذلك الى منعكسات خطيرة على مناخ الأرض بمناطقه المختلفة بدءا” من ذوبان الأنهار الجليدية التي يصل عددها إلى 220 ألف نهر جليدي مرورا” بذوبان جليد الأقطاب وغرين لاند وزحف الصحراء قطبيا إلى النزاعات والحروب ونقص مياه الشرب و تراجع المحاصيل الزراعية والتغير في طبيعة العواصف وتفاقم التعرية والتصحر و ازدياد تواتر الكوارث المناخية وصولا” الى ارتفاع مستوى سطح البحار والمحيطات الكارثي. وهو ما نلاحظه اليوم.
2- السبب الثاني مرتبط بالتأثير السلبي المتنوع للمناخ الذي يحصل بفعل مشاريع الهندسة المناخية وحروب المناخ التي تعمل عليها الدول الكبرى والعدو الصهيوني كما أشرنا آنفا” ونضرب مثالا” عليها مشروع هارب الأمريكي, الذي أحد أهم أهدافه تغيير مناخ المناطق اصطناعيا”.