الدكتور عصام نعمان | نائب ووزير لبناني سابق
يحظى لبنان بثروة نفطية وغازيّة هائلة. مصدرٌ غير محسوم الهوية سرّب عبر Tik Tok معلومة لافتة مفادها انّ الرقعة block رقم 4 الكائنة في المياه الإقليمية اللبنانية بين جبيل والبترون تحتوي أضخم حقل للنفط والغاز في العالم من شأنه أن يدرّ على البلاد مردوداً مذهلاً يربو على 110 مليارات دولار.
سواء كان هذا الرقم دقيقاً أو مبالغاً فيه، فإنّ حكومات لبنان المتعاقبة منذ نحو عشر سنوات تهاونت، ولا تزال، في مسألة مباشرة التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية على طول الساحل اللبناني.
معلومةُ Tik Tok السالفة الذكر مصدرها على الأرجح فرنسي. ذلك أنها تتضمّن ادّعاء بأنّ شركة توتال الفرنسية طالبت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالضغط على لبنان كي يتعاقد معها لبيع النفط والغاز بعد استخراجه من الرقعة رقم 4 وفق معادلة تكون حصّتها بموجبها من المردود 30 في المئة و70 في المئة للبنان.
ثمة معوّقات وتحديات شتى تكتنف مسألة التنقيب عن النفط والغاز في المياه الإقليمية اللبنانية، لعلّ أهمّها خمسة:
أولها، عدم اتفاق أركان المنظومة الحاكمة على تقاسم المنافع والحصص الناجمة عن مردود بيع النفط والغاز.
ثانيها، الخلاف بين أركان المنظومة الحاكمة حول الرُقَع blocks التي يقتضي البدء بالتنقيب فيها. ذلك انّ بعضهم يريد البدء بالرُقَع الجنوبية لكونها غزيرة المخزون فيما البعض الآخر يريد البدء بالرُقَع الشمالية لتفادي الصراع لكونها بعيدة عن منشآت النفط والغاز «الإسرائيلية» المحاذية للمياه الإقليمية اللبنانية في جنوب البلاد.
ثالثها، الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة على شركات الحفر والتنقيب الغربية لعدم المباشرة في العمل مع لبنان قبل تسوية نزاعه مع «إسرائيل» على ترسيم الحدود البحرية بينهما.
رابعها، ارتكاب المنظومة الحاكمة خطأً فادحاً في ترسيم حدود لبنان البحرية مع قبرص باعتمادها الخط رقم 1 بدلاً من الخط رقم 29، كما تهاونت في تصحيح هذا الخطأ بامتناعها عن تعديل المرسوم 2011/6433 وإبلاغ الأمم المتحدة التصحيح المطلوب بالمرسوم الجديد حفاظاً على حقوق لبنان السيادية في مياهه الإقليمية.
خامسها، ولعله أخطر التحديات، عزم «إسرائيل» على المباشرة في إنتاج النفط والغاز من حقل كاريش الذي يقع أكثر من ثلثه في المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية بعدما استحضرت سفينة الإنتاج FPSO لبدء شفط (سحب) النفط والغاز منه قبل أواخر العام الحالي. وكان حزب الله قد هدّد بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله باستخدام القوة لمنع «إسرائيل» من التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما من المنطقة المتنازع عليها مع لبنان.
ازداد الأمر تعقيداً وخطورة مع اندلاع مواجهة أمنية واستخبارية بين «إسرائيل» وإيران قد تتطوّر الى حرب ساخنة بينهما. ذلك انّ حكومات الكيان الصهيوني كانت باشرت، في سياق سياستها الهادفة الى منع إيران من استكمال برنامجها النووي، بشنّ عمليات عسكرية في إطار ما تسمّيه «معارك بين الحروب» استهدفت بزعمها مواقعَ صاروخية لإيران في سورية. غير أنها ضاعفت عملياتها تلك مع تعثر مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي بين إيران وأميركا بنقل اعتداءاتها الى عمق إيران. فقد قام «الموساد» الإسرائيلي باغتيال العقيد حسن صياد خدائي، المسؤول في الحرس الثوري عن شؤون التكنولوجيا والتطوير في «قوة القدس»، كما كان عمل لسنوات طويلة خارج إيران، لا سيما في سورية. الاغتيال حدث في طهران، وبعده بيومين شنّت طائرة مُسيّرة «إسرائيلية» هجوماً على مجمع بارشين الإيراني لتطوير الصواريخ ذهب ضحيته مهندس كان يعمل هناك لمصلحة وزارة الدفاع الإيرانية.
إيران توعّدت، بلسان قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي، بالانتقام. فقد قال خلال لقاء مع عائلة خدائي إنّ «العدو في البيت الأبيض وتل أبيب كان يخطط لاغتيال خدائي منذ أشهر وسنوات»، وأنّ الرأي العام في إيران يطالب بالانتقام من منفذي هذه العملية.
أين سيكون الانتقام؟
«إسرائيل» وضعت سلاحها الجوي ودفاعاتها المضادة للصواريخ على أهبة الاستعداد القصوى. كما حذر مجلس أمنها القومي السياح «الإسرائيليين» من مغبة السفر الى تركيا خشية تعرّضهم لعمليات انتقامية. غير أنّ محللين عسكريين عرباً و«إسرائيليين» لاحظوا انّ ثمة نمطاً تتبعه إيران في الانتقام من منفذي العمليات الإرهابية ضدّها قوامه استهداف قيادات او مؤسسات ينتمي اليها المنفذون. ربما لهذا السبب حرصت «إسرائيل» على التحسّب لانتقام إيران منها باتخاذ كلّ تلك الإجراءات الأمنية الوقائية الواسعة في البر والبحر والجو.
ينهض في هذا السياق سؤال: هل ستكون منشآت «إسرائيل» البحرية للنفط والغاز هدفاً لانتقام إيران الموعود؟
هذه المنشآت تمتلكها «إسرائيل» وهي تقابل، بقليل أو كثير، المنشآت التي استهدفتها اعتداءاتها في قلب إيران، وهي منشآت تهدّد مصالح صديقين لإيران: روسيا ولبنان.
مصالحُ روسيا تتهدّد لأنّ «إسرائيل»، بإيعازٍ من الولايات المتحدة، تنوي الانخراط مع مصر وقبرص واليونان (وربما تركيا ايضاً) في إنشاء آلية يجري بموجبها استخراج المزيد من الغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط لتوريده الى دول غرب أوروبا المتجهة الى وقف التزوّد بالغاز الروسي امتثالاً لقرار دول حلف الناتو الاقتصاص من روسيا بسبب حربها الأوكرانية.
إلى ذلك، فإنّ «إسرائيل» لا تفتأ تعتدي على لبنان بما هو مرتكز حزب الله في مقاومته لـ «إسرائيل» وللانتهاكات الأميركية في سورية والعراق ما يشكّل حافزاً لإيران لتعويض نفسها كما لبنان وروسيا بضربة واحدة تستهدف حقل كاريش العامل في منطقة متنازع عليها بين العدو الصهيوني ولبنان.
لكن، كيف تُراها تردّ «إسرائيل»؟
هل تكتفي بمطالبة الولايات المتحدة باستخلاص العِبَر من ضربة إيران المدمّرة ودلالتها على تقدّم صناعتها الصاروخية الباليستية ما يستدعي تالياً هندسة ضربة «إسرائيلية» ـ أميركية للقضاء على مراكز صناعتها النووية والصاروخية قبل اكتمال بنائها وإنتاجها واستحالة تدميرها بعد ذلك؟
إذا لجأت «إسرائيل»، ومن ورائها الولايات المتحدة، الى اعتماد هذا السيناريو، هل تكتفي إيران بردٍّ موازٍ ومتناسب أم تغتنم الفرصة لشنً ردٍّ صاعق ومتكامل بالتعاون مع سائر أطراف محور المقاومة وفصائلها الناشطة في لبنان وسورية وفلسطين المحتلة يكون من شأنه، في الأقلّ، تصديع كيان العدو وترهيله؟