الدكتور عدنان منصور | وزير خارجية لبنان الأسبق
فلسطين العصية دائماً على الغزاة الصهاينة، تنتفض وتثور مجدّداً أمام العالم كله في وجه القتلة المحتلين، لتذكر القوى الغربية الحاضنة للصهاينة منذ قرن من الزمن، بشعاراتها المزيّفة التي لا تنفكّ عن ترديدها باستمرار، وتمليها علينا، لتطالبنا على الدوام، باحترام مبادئ الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان!
جرائم مستمرّة ضدّ الإنسانية ترتكبها دولة الاحتلال «الإسرائيلي» بحق الفلسطينيين منذ إعلانها، ضاربة عرض الحائط كل القرارات الدولية. إذ لا أحد في الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، له الشجاعة، والجرأة، والضمير الحي، على انتقاد أو إدانة الممارسات الإرهابية التي تقوم بها «إسرائيل»، او اتخاذ العقوبات ولو بحدّها الأدنى ضدّها، مثل ما يفعله تعسفاً بحق أفراد وهيئات ودول، كروسيا وإيران وسورية وكوبا، وفنزويلا، وكوريا الشمالية، والعراق، واليمن، ولبنان وغيرها.
الصمت الغربي حيال جرائم العدو «الإسرائيلي»، لا سيما صمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ليذكرنا بصمت القبور، وبالمعايير المزدوجة التي تتصف بها سياساتهما، واللذان لم يخرجا يوماً عن انحيازهما الأعمى، ودعمهما المطلق للعدو، والوقوف الى جانبه، في الوقت الذي يتجاهلان فيه بالكامل حقوق الشعوب العربية، وبالذات حقوق الشعب الفلسطيني، والقرارات الأممية ذات الصلة. فردود فعلهما تقتصر على الأسف، والقلق، والدعوة إلى التهدئة وضبط النفس، دون النظر مباشرة الى أساس العلة، وحقيقة ما يجري منذ عقود على أرض فلسطين، والى ما تمارسه سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» من سياسات عنصرية فاقت كلّ حدود، وتطهير عرقي اعترف به المؤرخون الصهاينة الجدد أمثال إيلان پاپ، وبني موريس وغيرهما.
لقد تجاهل الغرب عن عمد، الممارسات التعسّفية القمعية التي يلجأ اليها المحتلون الصهاينة، وأيضاً المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال الصهيوني، والاستبداد الذي تمارسه بحق الفلسطينيين وهي ترتكب الجرائم تلو الجرائم ضدّ الإنسانية.
إنه نفاق الغرب، وكراهيته وتواطؤه، وحقده وسياساته الظالمة حيال هذه الأمة وشعوبها. سياسات تبقى هي هي، لم تتغيّر ولم تتبدّل، لا تزال على حالها حتى اليوم.
على أبواب واشنطن وأوروبا، وحلفائهم، تسقط حقوق العرب والفلسطينيين، والقرارات الدولية، ويسقط معها المجتمع الدولي. وفي داخل مجالسهم وقاعاتهم الحكوميّة ترتفع أصواتهم المدافعة والمؤيدة للكيان الغاصب، متجاهلين بالكامل حقوق الشعب الفلسطيني، وقرارات الأمم المتحدة التي تنتظر التنفيذ. لكن الشعارات والمبادئ «الإنسانية» التي يتعاطون بها مع الكيان «الإسرائيلي» المحتلّ، بما فيها الدعم الكامل الذي يوفّرونه له، تظهر جليّة، لكنها تختفي أمام الجدار العازل للشعب الفلسطيني وقضيّته وحقوقه المشروعة!
إنّها المقاومة وحدها، ولا غيرها، تعيد القدس وكلّ فلسطين الى أحضان الأمة. وهذا ما تجسّد في نفوس المقاومين الذين يعرفون جيداً الغاية والوسيلة التي يجب أن يتعاطوا بها مع المحتلين.
إنه شعب جسور، لن ينام الثأر في صدره وإنْ طال مداه. فهو أدرك ذاته، وحدّد هدفه السليم، وأمسك ببوصلته التي تشير له، أنه من القدس وحيفا ويافا (تل أبيب)، ومن كلّ قرية في فلسطين يبدأ تحرير كامل الأرض، ومن فلسطين يبدأ تحرير الأمة من العملاء، والخونة، وبائعي قضاياها القوميّة.
متى سيدرك المحتلون، أن لا أسلحة الدمار التي يمتلكها المحتلّ الصهيوني، ولا جهوزية قواته الأمنية والعسكرية، ولا مناوراته وقببه الحديدية، وصواريخه الاعتراضية، تستطيع ان توفر الأمن والأمان لـ «الإسرائيليين»، ولا أن تخمد روح الثورة، وتنتزع المقاومة من قلوب الفلسطينيين.
سيأتي اليوم الذي سيعلم فيه الغاصب المحتلّ، مهما طال الزمن، أنّ صاحب الأرض ليس كاللقيط المستوطن، وأنّ المتجذّر فيها ليس كسارقها، وانّ الشعار الذي رفعه هرتزل وزانجويل Zangwill مع مطلع القرن العشرين، من أنّ فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، ليس إلا وهماً. وانّ المحتلين لوقت، والمقاومين لكلّ الأوقات.
إنها حرب الإرادات، والصراع المتواصل الذي لن يتوقف بين المقاومين والمحتلين. وما دام هناك عرق ينبض في مقاوم، فلا إرادة تعلو فوق إرادته .
عندما يقارع أطفال وشباب فلسطين جنود الاحتلال، ويواجهونهم بكلّ شجاعة لم يشهد العالم مثيلاً لها، نقول: لا خوف بعد الآن على فلسطين، وفيها شعب يستحقّ الحياة لا يستسلم ولا يركع، ولا يستكين حتى يرى دولة الاحتلال تلفظ أنفاسها الأخيرة على يديه.
إنه شعب استثنائيّ شجاع، أصبح أنشودة وأمثولة حيّة لشعوب العالم كلها، متمسك بأرضه لا ينسلخ عنها أياً كانت الممارسات الإرهابية للاحتلال ضدّه. هو مؤمن إيماناً قاطعاً، ومصمّم على استعادة كلّ فلسطين، وتصفية حسابه مع الدولة «الإسرائيلية» المؤقتة.
إنّها مسألة وقت، لكنه بكلّ تأكيد آتٍ آتٍ، ولا مفرّ عندئذ للقتلة الصهاينة من يوم موعود يدفعون فيه الثمن الغالي على ما ارتكبوه بحق شعب آمن، وبحق الأمة على مدى أكثر من قرن من الزمن .
أليس هذا منطق التاريخ منذ فجره!