الدكتور عدنان منصور | وزير الخارجية والمغتربين اللبناني الأسبق
ما تقوم به الدوائر الغربية من بروباغندا واسعة، وحملات إعلامية شرسة، موجهة ضدّ موسكو، إلا لتصوّر للعالم كله انّ حرباً وشيكة تستعدّ روسيا لشنّها على أوكرانيا واحتلالها. هذه البروباغندا ليست إلا من باب التضليل وتأليب الرأي العام العالمي ضدّ روسيا، وتشويه سمعتها، واستقطاب عداء العالم ضدّها.
موسكو ليست في وارد شنّ حرب، وهي تدرك أبعاد هذه الحرب وتداعياتها.
فالخلاف الأوكراني الروسي المستحكم بين البلدين، لن يحلّ إلا سلمياً، شريطة أن يضمن الأمن القومي لروسيا، وعدم استفزاز الولايات المتحدة وحلفائها لموسكو، وزجّ واشنطن أنفها في الأزمة بين موسكو وكييف، والكفّ عن العمل لجرّ أوكرانيا الى موقع الحلف الأطلسي وضمّها اليه.
روسيا لن تقبل بأيّ شكل من الأشكال تهديد مجالها الحيوي وأمنها القومي، وضرب خاصرتها في الصميم من قبل واشنطن وحلفائها في الناتو، وهذا ما تعرفه الولايات المتحدة جيداً وانْ أدّى الأمر بروسيا الى مواجهة مفتوحة مفروضة عليها.
رغم تأكيد موسكو على عدم نيّتها غزو أوكرانيا، إلا انّ واشنطن لا تنفكّ وحلفاؤها، على مدار الساعة، من الحديث عن غزو روسي، حيث تلقفت وسائل إعلام عالمية ما تروّجه واشنطن، لتكون هذه الوسائل صدى للبروباغندا الغربية وفي خدمتها.
لا حرب على أوكرانيا، ولا غزو لأراضيها. حتى انّ السلطات الأوكرانية الرسمية غير مقتنعة في العمق بما تروّجه واشنطن. رغم استفسارات الرسميين الأوكرانيين من الأميركيين حول حقيقة ما يؤكدون عليه، عن عزم روسي لاحتلال أوكرانيا، وفق مصادر موثوقة في السلطة، إلا أنّ الأوكرانيين لم يقتنعوا بالجواب غير الشافي، والبراهين الحقيقية التي تبيّن فعلاً أنّ موسكو لديها النية الأكيدة لغزو الأراضي الأوكرانية.
إنها مسؤولية الأوكرانيين قبل غيرهم في إبعاد الحرب عن بلادهم. وهذا الإبعاد يتمّ من خلال لجم الاندفاع والتهوّر الأميركي والغربي باتجاه بلدهم، والتوقف عن التدخل في شؤونهم، وأيضاً وهو الأهمّ، التخلي عن فكرة ضمّ أوكرانيا للحلف الأطلسي. عندها ستأخذ الدبلوماسية مجراها الطبيعي ودورها الفعّال من أجل تحقيق ما يرضي كلّ طرف من الطرفين الأساسيين موسكو وكييف، في ما له وما عليه!
طبول الحرب لن تقرع في أوكرانيا. فالحرب ليست في صالح روسيا ولا في صالح أوكرانيا. والأوكرانيون يدركون جيداً، أنّ الحرب ستكون عليهم وبالاً، وسيدفعون الثمن باهظاً بما سيلحقهم من خسائر بشرية ومادية، في الوقت الذي سيكون فيه حلفاؤهم في موقع التنديد والاستنكار، والدعم المحدود، وتركهم يواجهون مصيرهم وتبعات الحرب ومآسيها.
ما تريده روسيا هو الضمانة في ان تحفظ استقرارها، وتصون أمنها القومي، عبر المفاوضات الدبلوماسية، والسياسية، مع الأطراف الأوكرانية والغربية المعنية.
موسكو لا تريد الحرب من أجل الحرب لتحقيق مطالبها، طالما هناك متسع للحوار للوصول الى الهدف وتبديد مخاوف روسيا في أوكرانيا عبر الوسائل السلمية.
لن تلجأ روسيا الى الحرب، الا إذا أرادت واشنطن، استفزاز موسكو وتوريطها عبر الأوكرانيين، وجرّها الى حرب مفروضة عليها، من خلال ضربات، وعمليات عسكرية تقوم بها عناصر أوكرانية متطرفة مدعومة من الخارج، ضدّ جيشها المنتشر على الحدود الأوكرانية الروسية، وزجّها في مواجهة ساخنة لا يمكن لروسيا السكوت عنها، أو الخضوع لها بأيّ حال من الأحوال. عندئذ تصبح الأبواب مشرعة للرياح الساخنة، التي تحمل في داخلها كلّ الحسابات المشفرة، والاحتمالات غير المتوقعة…