الدكتور طلال حمود | منسق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود
قصة قد تنطبق حرفياً على وزير ماليتنا المُبجّل البطل يوسف خليل!
يقول “خروتشوف”: اتصل بي الرفيق “ستالين”. وقال هناك مؤامرة كبيرة.
لدينا معمل إطارات، وهذا المعمل هو هدية من شركة فورد الأمريكية، وهو ينتج الإطارات منذ سنوات وبشكلٍ جيد، ولكن فجأة، ومنذ ستة أشهر، بدأ هذا المعمل ينتج دواليب تنفجر بعد بضعة كيلومترات، ولم يَعرِف أحد السبب. أريدك أن تذهب إلى المعمل فوراً وتكتشف ما هو السبب.
وصلت المعمل وباشرت التحقيق فوراً، وكان أول ما لفت نظري هو حائط الأبطال على مدخل المعمل.
على هذا الحائط توضع صور أفضل العمال والإداريين والذين عملوا بجد ونشاط خلال شهر.
وبدأت التحقيقات مُباشرة من الإدارة حتى أصغر عامل. لا أحد منهم يعرف الأسباب.
وقفت في أول خط الإنتاج وقمت بمُتابعة أحد الإطارات ومشيت معه من نقطة الصفر حتى خروجه من المعمل.
أُصِبتُ بالإحباط. كل شيء طبيعي وكل شيء صحيح وكل شيء مُتقن ولكن الإطار إنفجر بعد بضعة كيلومترات.
جمعت المهندسين والعمال والإداريين واحضرت المُخططات وقمت بالإتصال بالمهندسين الأمريكيين، ولم نصل إلى حلّ.
قمت بتحليل المواد الخام المُستخدمة في صناعة ذلك الإطار. التحليل أثبت أنها مُمتازة جداً وليست هي السبب أبداً.. ولكن الإطار انفجر بدون سبب.
أصابني الإحباط، وأحسست بالعجز.
وبينما أنا أمشي في المعمل لفت نظري مرّة اخرى حائط الأبطال في المعمل، حيث يوجد في رأس قائمة الأبطال أحد المهندسين على رأس القائمة. ما لفت نظري أن هذا المهندس على رأس القائمة منذ ستة أشه، أي منذ بدأت هذه الإطارات بالإنفجار بدون سبب.
لم أستطع النوم. قمت بإستدعاء هذا المهندس إلى مكتبي فوراً. للتحقيق معه، وقلت له: ارجوك اشرح لي يا رفيق. كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج لستة أشهر مُتتالية؟
قال لي: لقد استطعت أن أُوفّر الملايين من الروبلات للمعمل والدولة.
قلت له: وكيف استطعت أن تفعل ذلك؟
قال: ببساطة قمت بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية في الإطار وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يومياً.
هنا اصابتني السعادة الكبيرة لأنني عرفت حل اللغز أخيراً ولم أصبر على ذلك.
اتصلت بـ”ستالين” فوراً وشرحت له ما حدث وبعد دقيقة صمت قال بالحرف: والآن. أين دفنت جثة هذا الغبي؟
في الواقع لم أعدمه يا رفيق. بل سأرسله إلى سيبيريا. لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج.
في الواقع ليس بالضرورة أن تكون فاسداً وسارقاً لتؤذينا وتدمرنا. يكفي أن تكون غبياً. ونحن نضع الاغبياء في المواقع المهمة والاساسية ونبدع في تكريمهم.
إنتهت “القصة السوفياتية” وبدأت “القصة اللبنانية”.
نتوجه إلى وزير ماليتنا الأستاذ الموهوب في علم المال والنقد والإقتصاد، لنقلْ لهُ الآتي:
فكّر جيداً وحكّم عقلك وضميرك وحسّك الوطني في آخر امتار مسيرتك المهنية الحافلة والتي سمعنا انها كانت رائعة اكاديمياً ولكنها غير موفقة ابداً ومشبوهة كثيراً في مصرف لبنان، خاصة بعد ان استعملك الحاكم بأمره رياض سلامة لتمرير ابشع عمليات سرقة ودائع اللبنانيين من خلال “الهندسات المالية” التي استرضيتم بها انت ومعلمك معظم مكونات الطبقة الحاكمة، السياسية والمصرفية، لأسباب معروفة وواضحة لمعظم افراد الشعب اللبناني المظلوم، فلماذا تريد ان تكون ذلك الوزير الذي سيلعب دور “المهندس الغبي” الذي حكت عنه “القصة السوفياتية” لكي تقتصّ من ابناء جلدتك واهلك واخوانك وفقراء لبنان ومظلوميه ومستضعفيه ومحروميه والمسحوقين والمعدمين فيه؟
كيف ستنام على مخدّتك وهل ستقدر على النوم بعد تمرير صكوك تبرئة هذه الطبقة الحاكمة، الظالمة، الغشيمة والفاسدة مما إرتكبته أيديها من موبقات وجرائم بحق شعبها؟
وكيف سيطاوعك ضميرك ان تحكم بالإعدام على مستقبل مئات آلاف المواطنين في لبنان وبلاد الإغتراب بحيث ستجعلهم يدعون عليك في الظلام الدامس في منتصف الليل وعند الفجر وقبيل الظهر وعند الغسق؟
وكيف سيطاوعك ضميرك اصلاً ان تلعب هذا الدور وكيف ستخرج ببن الناس بعد ان تُنزل “امضاء يوسف خليل وزير مالية لبنان” الذي شهدت ايام عهده ابشع عملية إجرام بحق هذا الوطن ومواطنيه من خلال كل هذه الحزمة من القرارات الظالمة التي ستزيد الفقراء فقراً وستعطي كما قلنا صكّ البراءة للحكام عن كل الجرائم السابقة؟
نرجوك ان تعتبر من هذه القصة ومثيلاتها ومن النظم والنواميس والسنن التاريخية والكونية والإلهية التي لن ترحمك في حال اقترفت هكذا جريمة وان تستقيل اليوم قبل الغد رفضاً لتوقيع هكذا قرارات وسوف نرى ماذا سنقرر بحقّك بالنسبة للجرائم الأخرى التي ساهمت بها في مصرف لبنان، علماً ان التجارب علمتنا انه ما مِن بريء ولا قرارات بريئة في بلدنا، ولا يصل لمواقع القرار شخص قبل أن يوقع على صك ارتهانه، ونعرف أن من كان بمكانتك وعلمك وثقافتك لا بُدّ انه اطلع على عهد خليفة المسلمين امير المؤمنين علي بن ابي طالب لمالك الأشتر حين ولّاه على مصر حيث يقول:
اشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: أما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، يفرط بينهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤثر على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك، مثل الذي تحبّ أن يعطيك الله تعالى من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم وولي الأمر عليك فوقك، والله تعالى فوق من ولاك، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم، ولا تنصبن نفسك لحرب الله تعالى، فإنه لا بد لك بنقمته، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته.
معالي الوزير،
البعض يقول إنك شخص متواضع وأن تلامذتك في الجامعة يحلفون بحياتك وأن عائلتك وكل من هم حولك يعتبرونك مثالاً في الإنسانية. إذا صح هذا الكلام، إن أكبر مأساة في تاريخ لبنان هي سرقة أموال ثلاثة ملايين مودع. هذه جريمة أفدح من تفجير مرفأ بيروت ومن الحروب الأهلية التي عشناها. هناك عائلات دمرت عن بكرة أبيها. طبقة وسطى إنهارت إلى الفقر والفقراء صاروا معدمين. إذا كنت تريد أن تحافظ على إنسانيتك وصيتك عليك أن تقلب الطاولة على الجميع وأن تخرج على الناس شاهراً سيف الحق، فتنتهي حياتك المهنية بسيرة ستصبح على كل شفة ولسان. أقدم ولا تتردد وإلا فإن التاريخ لن يرحم، ولا الشعب سيرحم وعندها لن تكون بريئاً بل جزءاً لا يتجزأ من هذه المنظومة التي دمرت لبنانت وأفقرت شعبه.
النص يعبر عن وجهة نظر الكاتب