كتب د . روني الفا | لبنان المفروم ناعم

الدكتور روني ألفا | كاتب وباحث سياسي لبناني

نحن في زمن الشَّحن. كل ما يُشحَن مطلوب لانفجار نيترات الحرب. أكثر تدميرًا من انفجار المرفأ. الصاعق موقف ناري. الشرارة كلمة بذيئة. والفتيل ممدود من العبدة الى رأس الناقورة. فتيل خيّطناه بعناية بصنّارات بلاهتنا.
اللبنانيون يحبون مراسم الطلاق ودعاوى الهجر. الزواج الماروني في السياسة لعنتهم التاريخية. يفضّلون المساكنة الحرة على أن ينفصلوا عن شريكهم عند أول مفرق. حالة شذوذ أهلي يطال أغلب الرؤوس الحامية.

الكلمةُ تحيي والكلمة تُميت. صار المذياع مسدّسًا أوتوماتيكيًا. إطلاق النار صار في النصوص وأصاب النفوس في مقتلها. هيا. كل ما يفرّق اجتمعوا عليه. كل ما يجمع اختلفوا عليه. رماية بكل الاتجاهات. نيران صديقة على التصريف والتشريع وعلى زيارة الموفد الفرنسي.

أتساءل أحيانًا عن الفرق بين رستم باشا وأوهانس باشا ومدحت باشا وبين فيليب حبيب ولودريان. كلّهم باب عال. وحدنا باب واطي. باب يرفسهُ كل من ينتعل جزمة أجنبية. وبعد نقول أننا أمة غير كل الأمم وأننا منارة. نحنُ عود كبريت لإشعال سيغار كوبي بين أصابع أجنبي.

بدأ تندّر بعض الظرفاء على أسئلة لودريان. نوع من امتحان دخول الى صفوف الحضانة. في هذا شيء من المبالغة لكنها حضانة سياسية. أي على ضوء عدم أهليتنا كثرَ ولاة الباب العالي.

كل شيء يُطبخ في الخارج. نحن مدعوون على وليمة لا نعرف شيئًا عن مقاديرها. الولاة يطبخون السمّ ولا يأكلونه. نحن أكلَتُه. لأننا أكَلَةُ جبنة لا يعطى لنا سوى حقّ احتساء السمّ. رئيسنا يُنتَخَب في الخارج. نحن نصوّت له فقط. تحوّلت كتلُنا النيابية المنتخبة من الشعب الى كتل فرنسية وسعودية وقطرية ومصرية وسورية وأميركية. نحن صدى أسياد كل منا. أي وطن وأي كيان نرتجيه بعد هذا الهوان؟

نعود الى الكيان. مجموعة شعوب تحت مسمى شعب. مجموعة أوطان في وطن. مسخ سياسي نحبه ونغذيه كلما جاع. نحميه كلما قتَلَنا. بدأنا ننادي بالعودة إلى الكهوف. الى الخوف الخطير. الخوف الوهمي من الآخر. متاريسُنا مدشّمة بأكياس مليئة برمل الأحقاد. نعيش وحدنا ما همّ. شلعات وزُمَر من هنا وهناك ونتغنى بلبنان المفروم ناعم على عدة أدوار.
الرئاسة بعيدة المنال. مشكلتنا ليست فيها. ليست في الميثاقية والمناصفة والطائف. مشكلتنا اننا لم نعد نريد الحوار والجوار. تخيّلوا خمس ” لبنانات” وربما أكثر. البعض بدأ يروّج الى هذا اللبنان الذي على حد تعبيرهم انقسم وتشظى من زمان وانه آن الأوان لإعلان تقسيمه.
أكره هذا اللبنان المفروم ناعم. لا يمثّلني. لا يمثّل مسيحيتي وإسلامي. يمثّل لبنان المجنون وموته المحتوم.

ننتظر. كل ما نملكه من العبقرية اللبنانية فنّ الانتظار. انتظار ان نموت من دون احتضار. برصاصة. بمفرق كحالة. أي شاحنة تفي بالغرض. أي شادر. طوائف متكاذبة. قادة أسوأ من باعة الحمام الذين طردهم المسيح بالعصا.

زمن الهبوط والسقوط. من يحب ويهوى الابحار في المياه الهائجة معتبرًا انها سمة من سمات صمودنا مخطئ. قاربنا مثقوب. في البحر ليس كما في البرّ يا سادة. في البرّ تتوقف وتصلح إطارك المثقوب. في البحر انت ميني تايتانيك. لن يعثر عليك الغطاسون الا بعد ان تكون الأسماك قد التهمت هيكلك العظمي.

Exit mobile version