كتب د . روني الفا | قدَّيش الساعة؟
الدكتور روني الفا | كاتب وباحث لبناني
يسأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ. ساعاتُنا نحنُ معدوداتٌ نضيِّعُها بالنَّعرِ والنَّهرِ والنّهيِ عن المُنكَرِ الوطني. ملهاةٌ تلعبُ بنا وعقربٌ يعقرِبُنا. لم يبقَ سوى عقارب الساعة لم نحوّلها إلى بوسطة. إلى عين الرمّانة بلا رمّانة. ساعاتُ الحائِطِ باتَ لها دينٌ وطائفةٌ ومذهب. ساعاتٌ نسجدُ لها فَنَجحَدُ بخالِقِها.
إنها ساعةُ الغفلةِ تهلُّ علينا بينَ المغرِب والعشاءِ. غفَلنا عنها فغافَلَنا مغرِبُنا ولفَحَنا ليلُ تناحُرِنا الطويل. عشاؤنا خرابُ الوقت وأوقاتُنا ملأناها غربَةً وغرباء. هي غفلتُنا عن أجملِ الأوقاتِ قدَّمَها لنا لبنانُ البهيُّ فَعَقَصناهُ بعقرب وكفَّنّناهُ بساعة. ما بعدها غفلةٌ غفلَتُنا نحن الضالعون في الشتيمةِ والناحرون لكتبنا المقدّسة.
سأعودُ إلى الساعةِ الشمسيَّةِ. سأصحو كلَّ صباحٍ وأتأمّلُ بقرصِها. أعدُّ دقائقي في وطني الذي ينازعُ على هديِ دورانِ الأرض. دوارُ اللبنانيين لا ينتجُ وقتًا. ينتجُ مقابرَ تدفنُ الحوارَ وحسنَ الجوار. لا ملاذَ لي أنا ومن يُشبِهُني إلا الساعة الشمسية. تدفئُنا وتنبئُنا بأننا على قيدِ لبنان.
اللهمُ اعتِقنا من ساعةِ الصّفر. هَبْ لنا حذفَ صفرِنا الوطني من ساعاتِنا الشاقّة. صفَّرنا وطنَنا مراتٍ ومراتٍ خلالَ تاريخه ظنًّا أن أرقامَنا أكثر. هجَمنا على نصفِنا الآخَر. كان الصفرُ في السياسةِ حليفَنا والصفرُ في أعدادِنا نتيجة. ساعةُ صفرٍ على يسارِ ارقامنا الهزيلة. لم نربح شيئًا. خسرنا كلَّ شيء. انظروا إلى حفلةِ الزجل الطائفي. يا غيرةَ الدين. باطل! نحنُ الساعاتُ المعلّقةُ على حيطانِ حروبنا الصغيرة. حتى عقربُ الثواني لا تعنيهِ تفاهتنا.
كلُّنا رجالُ الساعة. جهابذةٌ وفلاسفةٌ ومؤرخونَ لبداياتٍ جديدة. الطائف. الفدرالية. الكونفدرالية. التقسيم. كلُّ هذه في سلّةٍ وكراسي ملعبِ كرةِ قدم ٍفي سلة. إسقاطُ الأحقاد على خلفية كرةٍ مرفوسة. هل من يرفسُنا فلا ندخلُ كالطابة في مرمانا؟ أنا اليومَ رجلُ الساعة. رجلُ المرحلة الصعبة. الأمر لي. فلينتحر عن روشته كل من ينحر الصيغة.
على مدارِ الساعة عقاربُ أكثر دقةً في التصويب من عقارب الساعة. مدججون بالبغضاء. ينتقمون من إفطار. يحقدون على سحور ويتوجّسونَ من صيام. هؤلاء من كلِّ عقاربِ الوحدةِ الوطنية. حدّ العقرب لا تقرب وحد الحيّة فروش ونام. على مدار الساعة طنينُهُم ذبابُ المرحلة الصعبة. يزعجونَ هدوءَ الوطن. لن يستكينوا قبل تحويلِه إلى أوطان عديدة.
أما قضيّة الساعة فسِتُّ القضايا؟ نَسوا ان من اجترحوها واقترفوها واخترعوها وسبَّقوها وأخَّروها قيل لهم يومها مَحلى الكحل في اعيُنِكُم. هل تبدّلَ رمضانُ منذ نصفِ قرنٍ إلى اليوم؟ لا. تبدّلَت أحوالُنا. يتعِبُنا ما يريحُ الآخَر ويُريحُنا ما يُتعِبه.
سأخجَلُ من الساعةِ في وطني. ربما أقتني ساعةَ جيبٍ لا يراها أحد. ماذا يقولُ عنا يا ترى من ينوضرُ على جنونِنا المستجدِّ حولَ الساعة. ماذا يقولُ البنك والصندوق؟ نحن بحاجةٍ ماسّةٍ إلى قتلِ الوقت في لبنان حتى لا يقتلَنا. وحده اغتيال هذا المسخ يخلّصنا من سجالاتنا وسِجِلّاتِنا.نحنُ أصلًا كائناتٌ خارجَ الأزمنةِ وأحقادُنا مقاوِمَةٌ للوقتِ وتدومُ وتدومُ وتدوم.
أيها اللبنانيون. يا بقايا مواطِنين في وطنِ البقايا. اقتنوا ساعةً رملية واجلسوا على شاطئِ بحرِ لبنان. قيسوا قدرتَكُم على الدمارِ الذاتي على مقياسِ هتلر. نعم. تَهَتلَرنا في آريَّتِنا المقيتة وصرنا أسوأَ من أسوأِ انظمةِ الأبرتيد. صيحوا من عمقِ حناجركم. نحن شعبُ الشِّعَب. نحن جماهيرُ فليسقطْ واحد من فوق. ندقُّ رؤوسَنا بشهر. بسنة. بطقس كلّما دعَتنا طقوسُنا المخيفة.
إنها ساعةٌ سَوعاء. الآتي أعظم. ألوذُ بالآيةِ الكبرى: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ. قدَّمَت أو أخَّرَت يا سادة. الساعة آتية.
جريدة النهار