الدكتور روني الفا | كاتب وباحث لبناني
الأرجح أن الشمس شارقة اليوم. لا غيومَ كثيفةً ووقحةً تعترضُ خيطانَ نورها المتناسلِ بتؤدةٍ في شراييننا المشتاقةِ للدفء. على الأقل ما زالتِ الشمسُ وفيةً لشروقِها الصَّباحيِّ وتعطينا مجانًا ما تيسَّرَ من الحرارةِ في زمنِ البردِ الذي يصيبُ حياتَنا الوطنية. يُقال أن اثنينِ لا يمكنُ النظرُ اليهما وجهًا لوجه، الشمسُ والموت. مع نظاراتٍ ما فوق بَنَفسجيَّةٍ باتَ النظر وجهًا لوجه الى الشمسِ ممكنًا. يبقى الموتُ الذي لا ينفَعُ معه ما فوق البنفسج لأن الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. في موتِنا لا ينفَعُ سوى البنفسَج.
كلَّ يومٍ تحت الشمسِ نُنجِبُ مآسينا. العسكريونَ المتقاعدون، المعلمونَ والمعلماتَ في المدارسِ الرسميةِ والخاصة، سائقو سياراتِ الأجرةِ وباصاتِ النقلِ العام وسائرِ الموظفين والعمال والمياومين في ملاكاتِ الدولةِ المتهالكة. لا يطالبونَ سوى بكرامةِ العيشِ طبابةً ورغيف. هؤلاء ينظرونَ الى الموتِ وجهًا لوجه كلَّ يومٍ بلا نَظّارات.
الأيامُ المشمسةُ الى ازديادٍ الآن وقد استعدَّ شهرُ شباطٍ لوضعِ أوزاره. شَبَطَ ولَبَطَ وشَمَمنا رائحةَ الصيفِ فيه آلافَ المرّات دُونَ أن نشمَّ رائحةَ الطبخةِ الرئاسيَّةِ في لبنان. طبخاتُ الرئاسَةِ تُطهَى على البوتغاز السرّي. بكركي على لسان سيِّدِها في عِظَةِ الأحَد تخشى تمدُّدَ فترةِ الشُّغورِ الرئاسي طويلًا. نحن شاغِرونَ وشاعرونَ بذلك. الشُّغور في لبنان شعور متبادَل.
يخشى البطريركُ اللبناني من خروجِ لبنان من النظامِ المالي. مُصيبٌ في توصيفِ المصيبة. لبنان يعملُ على نظامِ الخِرْجْ. يدخلُ الحرامي الى بيتِ الزعيم حامِلًا غلَّتَه من تعبِ الناس فيقولُ له هذا الأخير ” حِطّْ بالخِرج “. نظامٌ قائمٌ على اجتذابِ الزبائنِ شرطَ تقديمِ الولاءِ والطاعةِ قبلَ الركعاتِ الخمس وقبلَ أوَّلِ إشارةٍ للصليب يرسمُها المؤمنُ بالثالوثِ في الصباحِ الباكرِ. يا ربّ ألطُف وبارخمور بارِكْ يا سيِّد.
أقسى ما قيلَ على لسانِ البطريرك صباحَ أمس كان عبارةَ ” البَرَص السياسي “. تخيّلوا معي سياسيونَ مصابونَ بداءِ البَرَص. كلُّ حفرةٍ مقيَّحَةٍ في وجوهِهِم أعمقُ من وادي الجماجم. يمشونَ بزهوٍ وحيث يحلّون يبرُصونَ الأصحَّاء. لا أحدًا يقرَبُ المَبروص. هو خارجُ النظامِ العالميِّ ولا يوحي لأحدٍ سوى بالكرنتينا.
بَرَصُ فِتنَةٍ أيضًا. رحمَ الله فضيلةَ الشيخ أحمد الرفاعي الذي قضى إثرَ جريمةٍ ثأريةٍ بغيضة. البَرَصُ السياسيُّ نَشَطَت بُثورُهُ قبلَ جلاءِ الملابسات. نشاطٌ لحقنِ الفتنةِ النائمةِ بالفيتامين. لو كُتِبَ لفضيلةِ الشيخ المغدور أن يُفلِتَ من قبضةِ قاتليه لضمَّ صوتَه إلى صوتِ البطريرك محذّرًا من أنَّ الفتنةَ أشدُّ من القتل.
كلُّ هذا والشمسُ مصرّةٌ على الشروق. ماذا تخزّنُ يا ترى من أسرار في هذا العالم، هي التي تَرَى ولا تُرَى؟ الشمسُ ترانا من فوق كلَّ يومٍ وترى ماذا نفعلُ نحن من تحت. توكِلُ إلى سكرتيرها القَمَر متابعةَ العمل فيما تستديرُ هي نحوَ المقلبِ الآخَر من الطابةِ التي نلعبُ فيها وتلعبُ فينا. الشمسُ كوكبُ مخابراتِ الله.
من جملةِ ما تقرأُهُ الشمسُ من تقاريرِ القمرِ ليلًا اكتظاظُ الداون تاون. سياراتُ الدفعِ الرباعيِّ تتنافسُ مع سياراتِ العضلاتِ الأميركيةِ كما يسمّيها الخبراء ” ماسِل كارز” ثم الفيراري واللامبرغيني وزميلاتهنَّ الفارهات اللواتي خُلِقنَ لتعذيبِنا نحن البُؤساءُ ومحدودو الدّخل. تحتارُ الشمسُ ماذا تفعل؟ هل تبعثُ بفائضِ حرارةٍ تحرقُ الأخضرَ واليابسَ والأبرصَ والأنفس؟ أو هل تكتفي بقراءةِ تقاريرِ القمر؟ الأرجحُ أنَّ الشمسَ والقمرَ منهمكانِ بالنظامِ الشمسي. نظامُنا الماليُّ متروكٌ للبُرص كما صرّحَ سيِّدُ بكركي.
المصدر | النهار