كتب د . روبير بشعلاني | صعلوكيات/ الاقتصاد التخارجي والثقافة التخارجية.
الدكتور روبير بشعلاني | اكاديمي واستاذ جامعي مقيم في فرنسا
الاقتصاد التخارجي ، وهو الاقتصاد التابع الذي لا يدور لحسابه بل لحساب الخارج الذي يسيطر عليه، لا يمكنه ان يلبي حاجات الناس وأسباب معاشها لأنه خلق أصلاً ليلبي حاجات الخارج المهيمن لا العكس.
الاقتصاد التخارجي هو اقتصاد تابع كليا للخارج. من حيث ميادينه وطرق اشتغاله وبشره واهدافه. فهو ينطلق من حاجات الخارج لسلعة او بضاعة او سوق فيقوم بها بتفان من اجل مصلحة هذا الخارج. فاذا احتاج الخارج لدود القز مثلاً( او القطن او اي سلعة )يقوم بتربيته ليس لانه افضل الاستثمارات التفاضلية وليس لانه يملك بنية تحتية لاستغلاله وتوظيف يده العاملة به، وليس لانه حاجة لسوق الحرير المحلية بل خدمة لهذا الخارج. وهو لا يقوم باي استثمار يضر بمصالح هذا الخارج. فاذا احتاج الى مرفأ يبني له مرفأ. اذا احتاج الى مصرف يبني له شبكة مصرفية لا علاقة لها البتة بأي استثمار محلي بل خدمة مجانية للخارج تقوم على جمع عائدات المواد الاولية المحلية وارسالها الى الخارج الذي يستثمرها في اقتصاده.
الاقتصاد التخارجي عبارة عن مجموعة من النشاطات الشكلية المرتبطة عضويا باقتصاد المركز الذي يشكل علة وجوده الفلسفية. فهو يستبعد اي نشاط اقتصادي يمكن ان يخدم اهل البلاد.
وبهذا المعنى فان الاقتصاد التخارجي عقلاني للغاية. لا شيء عنده متروك للصدفة. هدفه واضح وغائيته بسيطة:
يبحث عن اهم الموارد والسبل لخدمة الاقتصاد المسيطر. عقلاني بالخدمة التخارجية وفوضى كاملة في محيطه الوطني اذ يدمر كل سبل المعاش المحلية وكل امكانية لبناء اقتصاد وطني داخلي مترابط البنى.
وعلى قاعدة هذا الاقتصاد التخارجي ( شروط المعاش) تنشأ ثقافة التخارج ايضاً . وهي مجموعة من الافكار والتصورات عن العالم تعكس معاش التخارج وتبعيته للمركز المسيطِر بعقلانية تامة وتماسك منهجي ملفت.
غير انها واسوة باقتصادها لا تَخلق بمحيطها المباشر غير الفوضى الكاملة ايضاً: تدمر كل بنيان محلي وتزعزع كل تماسك وكل مرجعية.
عماد هذه الثقافة “المثقف التخارجي”، وهو مصطلح للباحث عادل سمارة.
هذا المثقف مطابق للمواصفات.. التخارجية. يبدأ حياته بالاحلام الكبرى ثم ينتهي بالانخراط التام في عملية الاقتصاد التخارجي : الهيمنة.
وما بين البداية والنهاية يعمل في النشاطات الاقتصادية التي يحتاجها الخارج وبدون اي منفعة محلية. فهو اما موظف توزيع ريعي محسوب على كوتا قرابة روحية معينة واما عامل خدماتي في ميادين الاقتصاد التخارجي.
وفي الحالتين يعيش اغترابا كليا عن مجتمعه المسجون.
وعلى قاعدة تلك النخب وفي حضنها ينشأ يسار تخارجي كذلك لا يمت الى واقعه باي صلة. بالعكس يشكل وجوده الفطري والمولع بالخارج وترسيماته يشكل عالة على مجتمعه أقتصاديا وسياسيًا.
وبما ان فعل الهيمنة يولد فعل رفض لها، تقوم نخب البلاد العضوية المندمجة بمجتمعها تقوم بفعل الممانعة والمغالبة لهذه الهيمنة عبر الاتكاء على ماضيها وتراثها وعقائدها يرفدها بعض نخب المدن الوطنية ذات الوعي الحاد بالهيمنة والتخلف الناتج عنها.
اما والامر كذلك فان اشكالية التغيير لا مكان لها في هذه الحالة. وبالتالي لا مكان ليسار محلي غير تخارجي. فاشكالية الهيمنة تفرض اما الانخراط واما الممانعة والمغالبة. اما ان تفك الهيمنة ورباط الاقتصاد التخارجي واما ان تقبل بها كمعطى “تطوري” تنويري وحداثي.
ازاء الهيمنة انت اما تخارجي واما وطني. لا طريق ثالث للاسف. لان الهيمنة ليست مقولة نظرية يمكن قبولها او دحضها نظرياً. الهيمنة فعل مادي ينبسط بواسطة القوة العسكرية والاقتصاد. تخضع او تغالب. لا مجال عقلي اخر.