كتب د . جمال واكيم | روسيا تدعم علاقتها بفنزويلا لإضعاف هيمنة واشنطن على أميركا اللاتينية
الدكتور جمال واكيم | أستاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
تشهد العلاقات الروسية -الفنزويلية تطوراً مطرداً منذ وصول الرئيس الفنزويلي الراحل، هوغو تشافيز، إلى السلطة في العام 1999، وهو أمر استمر في ظل خليفته نيكولاس مادورو.
وفي خطوة تأتي في هذا السياق، زار رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، نيكولاي باتروشيف، فنزويلا وبحث مع الجانب الفنزويلي في موضوع “التصدي للثورات الملونة”، في إشارة إلى نية موسكو دعم كاراكاس في مواجهة السياسات الأميركية الآيلة إلى قلب نظام الحكم في هذا البلد؛ نتيجة تمرّده على الهيمنة الأميركية.
وجاء في بيان صادر عن مجلس الأمن القومي الروسي، أنه “جرت دراسة آفاق التعاون الثنائي بين موسكو وكراكاس عبر قنوات وزارتَي العدل للبلدين، بما في ذلك تبادل الخبرات في مجال التنظيم القانوني لنشاط المنظمات غير التجارية الأجنبية، والتعاون بين الأجهزة الأمنية”.
وأشار المجلس في البيان إلى أنه تم تركيز الاهتمام على “الثورات الملونة”، موضحاً أن الجانبين “تبادلا الآراء حول وضع العلاقات الدولية”.
وكان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، صرّح بأن الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، قد يزور روسيا هذا العام.
العلاقات الروسية-الفنزويلية زمن تشافيز
تعود العلاقات بين موسكو وكاراكاس إلى عام 1952، وتعززت في عهد الرئيس هوغو تشافيز (1999 – 2013) في ظل إعلان واشنطن العداء لكاراكاس، وبحث الأخيرة عن سند يمدّها بالسلاح الذي تحتاج إليه للدفاع عن نفسها، فيما كانت موسكو تبحث عن حلفاء في مواجهة محاولات الولايات المتحدة والغرب المتواصلة لتضييق الحصار عليها.
بعد عام 2005، اشترت فنزويلا أسلحة بأكثر من 4 مليارات دولار من روسيا. وفي أيلول/سبتمبر 2008، وفي تطور دراماتيكي على صعيد العلاقة بين البلدين، أرسلت روسيا قاذفات توبوليف إلى فنزويلا؛ للقيام بجولة تدريبية في خطوة عدّتها واشنطن موجّهة ضدها. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أجرى البلدان مناورات بحرية مشتركة في منطقة البحر الكاريبي. وبعد زيارتين لتشافيز إلى موسكو في تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2008، وصل نائب رئيس الوزراء الروسي، إيغور سيتشين، إلى فنزويلا لتمهيد الطريق لعقد اجتماع ثالث بين رئيسَي البلدين.
وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2008، ناقشت فنزويلا وروسيا 46 اتفاقية تعاون مشترك، وبحث نائب الرئيس الفنزويلي، رامون كاريزاليس، آنذاك، مع نائب رئيس الوزراء الروسي إيغور سيشين، سلسلة من المبادرات كان من المقرر أن يوقّعها تشافيز والرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف، آنذاك.
وقد أعلن وزير الخارجية الفنزويلي، نيكولاس مادورو، آنذاك أن “العالم أحادي القطب ينهار، وأنه من الضروري التحالف مع روسيا لبناء عالم متعدد الأقطاب”.
وسعت فنزويلا إلى التعاون مع روسيا لتطوير مناجم في أكبر رواسب الذهب التي تملكها. وأعلن وزير التعدين الفنزويلي، رودولفو سانز، آنذاك، أنه سيجري توقيع مذكرة تفاهم مع شركة “روسورو” الروسية لتشغيل مشروعَي منجمَي لاس كريستيناس وبريساس. وتلا ذلك إعلان تشافيز عن اتفاقية مع روسيا لتشغيل مفاعل هامبرتو فرنانديز موران النووي، تم التوقيع عليه في تشرين الثاني/نوفمبر 2008.
في ذلك الوقت، توجّهت قطعات من الأسطول الروسي، منها السفينة الحربية “بيتر الأكبر” التي تعمل بالطاقة النووية، إلى منطقة البحر الكاريبي؛ لإجراء مناورات بحرية مع فنزويلا، ما عدّه محلّلون رداً على الدعم الأميركي لجورجيا في أعقاب الحرب مع روسيا في عام 2008 للسيطرة على أوسيتيا الجنوبية.
كذلك باعت موسكو طائرات مقاتلة لفنزويلا، إضافة إلى 100 ألف بندقية هجومية للجيش الفنزويلي.
في أيلول/سبتمبر 2009، وافقت روسيا على قرض بقيمة 2 مليار دولار لفنزويلا. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2010، زار تشافيز روسيا ووقّع صفقة معها لبناء أول محطة للطاقة النووية في فنزويلا، بالإضافة إلى شراء أصول نفطية بقيمة 1.6 مليار دولار.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2011، توجّه نائب رئيس الوزراء الروسي، إيغور سيتشين، إلى كاراكاس لإقناع تشافيز بصفقة بقيمة 4 مليارات دولار لشراء أسلحة روسية. ومع حلول عام 2011، أصبحت فنزويلا الشاري الأول للأسلحة الروسية للقوات البرية.
البُعد الجيوسياسي للعلاقة الروسية-الفنزويلية
بعد وفاة الرئيس تشافيز في آذار/مارس 2013، واصل خلفه نيكولاس مادورو التقارب مع موسكو، خصوصاً في ظل محاولات واشنطن المتكررة لإطاحته، ما أعطى العلاقة بين كاراكاس وموسكو بُعد الضرورة القصوى.
ففي تموز/يوليو 2017، نشرت مجلة عسكرية روسية مقالة أوصت فيها بضرورة تقديم معلومات استخبارية إلى حكومة مادورو في مواجهة الحملات التي تتعرض لها من قبل واشنطن.
وفي عام 2018، أعيد انتخاب نيكولاس مادورو لولاية ثانية، لكن الولايات المتحدة والغرب رفضا الاعتراف بالنتيجة على عكس روسيا التي هنّأت مادورو بالنتيجة.
وفي كانون الأول/ديسمبر 2018، أرسلت روسيا قاذفات توبوليف القادرة على حمل قنابل نووية إلى فنزويلا، فيما أجرى الجيشان الروسي والفنزويلي تدريبات عسكرية مشتركة في رسالة موجّهة إلى واشنطن وحلفائها.
هذا جعل فنزويلا تصبح أول حليف استراتيجي لروسيا في أميركا اللاتينية. وقد تم التعبير عن ذلك في شباط/فبراير 2022 عندما شنّت روسيا العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا لاستئصال الفاشية. وفيما نددت الولايات المتحدة والغرب بهذه العملية العسكرية، سارع الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، إلى الاتصال بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، للتعبير عن دعمه للعملية العسكرية، وإدانته العقوبات الغربية التي فرضت على موسكو.
ويعدّ تدعيم العلاقة بين روسيا وفنزويلا ذا بعد استراتيجي، إذ تدعم موسكو عبر هذه العلاقة حضورها في منطقة البحر الكاريبي، خصوصاً وأنها تمتلك علاقات متينة مع كوبا. ويشكل الحضور الروسي في البحر الكاريبي تحدياً للولايات المتحدة في حديقتها الخلفية.
فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، تعدّ واشنطن هذه المنطقة جزءاً من أمنها القومي يجب عليها الدفاع عنها في مواجهة أي اختراق من قبل قوى تعدّها عدوة لها. ووفقاً للأدميرال ألفرد ثاير ماهان (1840 – 1914)، فإن منطقة البحر الكاريبي تشكّل النقطة التي تنطلق منها البحرية الأميركية للسيطرة على طرق الملاحة البحرية، والتي تمر عبرها 80% من التجارة الدولية. وأشار إلى ضرورة السيطرة على قناة بنما التي تشكل عقدة رئيسية للسيطرة على الكاريبي؛ لأن السيطرة على هذه القناة تتيح للولايات المتحدة نقل قطعها البحرية من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادئ؛ للدفاع عن شواطئها الشرقية والغربية، كما تتيح منطقة الكاريبي للولايات المتحدة الانطلاق جنوباً؛ لفرض هيمنتها على أميركا اللاتينية.
وبالتالي، فإن تدعيم موسكو لحضورها في منطقة بحر الكاريبي يشكل أحد العوامل التي يمكن أن تشجع دول أميركا اللاتينية على التفلّت من هيمنة واشنطن، وتساهم في إضعاف الولايات المتحدة في إطار سعي موسكو وحلفائها لإنهاء الهيمنة الأميركية على العلاقات الدولية، والدفع في اتجاه إقامة نظام دولي متعدد الأقطاب.
المصدر | الميادين نت