تحليلات و ابحاثمقالات مختارة

كتب د . جمال واكيم | تايوان.. قاعدة أميركية رئيسة في إطار استراتيجية الولايات المتحدة لتطويق الصين!

الدكتور جمال واكيم | استاذ تاريخ العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية

لا يزال التوتر قائماً بين الصين والولايات المتحدة على خلفية الزيارات التي يجريها مسؤولون أميركيون لجزيرة تايوان التي تعد جزءاً من الصين متمرداً عليها.

فبعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي للجزيرة في مطلع شهر آب/أغسطس، التي شكلت بداية إطلاق شرارة التوتير الجديد بين بكين وواشنطن، قام 5 نواب أميركيين بزيارة في 14 و15 آب/أغسطس لتايبيه بذريعة مناقشة العلاقات الثنائية والأمن الإقليمي والتجارة والاستثمار، ما فاقم هذا التوتر.

وقد ردت الصين على زيارة بيلوسي لتايبيه بإعلان إجراء مناورات عسكرية حول تايوان بالتزامن مع الزيارة، وهو ما كرّرته مع زيارة الوفد البرلماني الأميركي، إذ أعلن الجيش الشعبي الصيني إجراء مناورات أخرى حول الجزيرة.

تزامن ذلك وتحذير المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان الولايات المتحدة من أنها لن تنجح في استخدام تايوان قاعدة للانطلاق والسيطرة على الصين. ورأى أن “هذه الزيارة تنتهك بصورة خطرة مبدأ “الصين الواحدة” وأحكام البيانات الثلاثة المشتركة بين الصين والولايات المتحدة، وتعطي إشارةً خاطئةً للقوى الانفصالية التي تدعو إلى إعلان استقلال تايوان، كما تفضح تماماً وجه الولايات المتحدة الأميركية بوصفها مدمّرة للسلام والاستقرار في مضيق تايوان”.

تايوان.. حلقة رئيسة في عملية تطويق الصين

وتشكل تايوان أحد الأعمدة الأساسية في استراتيجية الولايات المتحدة لتطويق الصين في منطقة شرقي آسيا ومنعها من الخروج بحرية إلى طرق الملاحة البحرية. وتعتمد الولايات المتحدة على استراتيجية تطويق للصين تقوم على التحالف مع اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان والفليبين وإندونيسيا وماليزيا وحتى فيتنام لمحاصرة الصين. وهي تهدف من وراء ذلك إلى عرقلة وصول الصين إلى سوق التجارة الدولية التي يمر نحو 80 في المئة منها عبر طرق الملاحة البحرية، وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد).

كذلك فإن الولايات المتحدة ترى أن تايوان تشكل حلقة مهمة في منع الصين من بسط نفوذها في منطقة جنوبي بحر الصين التي تعد حلقة وصل مهمة بين المحيط الهادئ من جهة والمحيط الهندي من جهة أخرى.

وتسعى الولايات المتحدة لعرقلة وصول الصين إلى المحيط الهندي الذي سيصبح في القرن الحادي والعشرين المركز الاقتصادي الأول في العالم خصوصاً أنه يصل بين اقتصادات عالمية ضخمة صاعدة، أولها الهند وثانيها جنوب إفريقيا وهما عضوان في منظمة بريكس التي تضم أيضاً روسيا والصين والبرازيل.

كذلك فإن تايوان تتيح للولايات المتحدة إمكانية الانطلاق إلى داخل الصين وإثارة القلاقل والمشكلات في جنوب شرقي البلاد. ويعد ما تقوم به الولايات المتحدة في شرقي آسيا جزءاً من استراتيجيتها المستندة إلى تطويق الصين بطوق يبدأ من شرقي آسيا ويمر بجنوب شرقي آسيا، ثم الهند التي تحاول واشنطن تأليبها على الصين، ثم أفغانستان التي احتلتها القوات الأميركية عقدين من الزمن قبل أن تنسحب منها تاركة إياها فريسة للفوضى في ظل حركة طالبان، وأخيراً هضبة التيبت وصحراء جينجيانغ حيث تدعم الولايات المتحدة الحركات الانفصالية ضد الصين.

هاجس واشنطن من انتزاع الصين الريادة العالمية

ويعود هاجس الخوف الأميركي من الصين إلى نمو القدرات الاقتصادية الصينية في العقدين الماضيين التي حولتها إلى القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة مع ترجيحات أن الصين ستصبح الاقتصاد الأول في العالم بحلول عام 2030. فمع حلول عام 2017 أصبح الناتج المحلي للصين 12.2 تريليون دولار متفوقاً على اقتصادات ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا مجتمعةً.

وبحلول عام 2018 أصبح الناتج المحلي القائم للصين يشكل 18.72 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي فيما باتت قيمة التجارة الدولية للصين تفوق 4.62 تريليون دولار.

وتخشى واشنطن أن يؤدي التفوق الاقتصادي الصيني إلى انتزاعها الريادة العالمية بما ينهي الهيمنة الأميركية على العالم، وهو ما تعده واشنطن خطراً وجودياً عليها وعلى “التفوق الحضاري الغربي”.

وبالعودة إلى كتابات المفكّرين المؤسسين للفكر الجيوسياسي الأميركي مثل ألفرد ثاير ماهان ونيكولاس سبيكمان وهالفورد ماكندر وغيرهم، فلطالما حذّرت من “الخطر الذي تشكله الصين على الحضارة الغربية.”

وما يعزز هذا الخوف عند صناع القرار الأميركيين هو التقارب الصيني الروسي الذي بدأ مباشرة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 الذي توج بإعلان قيام مجموعة شنغهاي–5 عام 1996 التي ضمت الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، والتي تحوّلت إلى منظمة شنغهاي للتعاون بعد انضمام أوزبكستان إلى المجموعة في حزيران عام 2001.

وبالنسبة إلى المفكرين الاستراتيجيين الأميركيين، فإن هذه المنظمة، التي توسّعت وضمت بلداناً أخرى، تمهد لتوحيد البر الأوراسي (أوروبا–آسيا) تحت مظلة تحالفٍ دوليٍ واحدٍ ما يشكل كابوساً على الولايات المتحدة. وقد حذّر المفكر الجيوسياسي الأميركي نيكولاس سبيكمان في الحرب العالمية الثانية من أن توحيد أوراسيا تحت هيمنة قوة أو تحالفٍ واحدٍ من شأنه أن يعزل الولايات المتحدة في منطقة أميركا الشمالية ويجعلها مطوّقة من الشرق والغرب بما يمهّد لتوجيه ضربةٍ قاصمةٍ لها من خاصرتها الرّخوة في الجنوب من جهة المكسيك وأميركا اللاتينية.

ولا تبدي الولايات المتحدة أهمية لحساسية الصين تجاه قضية تايوان. يذكر أن بكين، وإن كانت تأخذ بالاعتبار ما ذكرناه سابقاً لجهة البعد الجيوسياسي لقضية الجزيرة المحاذية لشواطئها، إلا أن منطلقها الرئيس للمطالبة بعودة الجزيرة إلى حضنها هو ذو بعد وطني. فالصين ترى أن تايوان كانت جزءاً منها حتى عام 1894 حين احتلتها اليابان في الحرب الصينية–اليابانية الأولى (1894 – 1895). وبالتالي فإن مطلب عودة الجزيرة إلى حضن الوطن الأم يشكل هدفاً رئيساً بالنسبة إلى القيادة الصينية التي تسعى لإنهاء كل رواسب “قرن الذل” الذي بدأ بحرب الأفيون (1839 – 1842) وانتهى بقيام جمهورية الصين الشعبية في تشرين الأول/أكتوبر عام 1949.

يذكر أن الصين عانت في تلك المرحلة هيمنة غربية واحتلالات وفقداناً لبعض المقاطعات ما جعل الغربيين يطلقون عليها آنذاك لقب “رجل آسيا المريض.” وبالتالي فإن إعادة الجزيرة إلى الوطن الأم سيشكل عملياً معالجة لكل رواسب قرن الذل وسيمهّد لإعلان صعود القوة الصينية على الساحة العالمية.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى