الدكتور احمد الدرزي | كاتب وباحث سوري
في خطوة فاجأت الجميع، بادر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى إطلاق تصريح استفزّ به قادة تل أبيب، بعد أن ربط بين النازية واليهودية، بإعلانه “عن الدماء اليهودية التي جرت في شرايين الزعيم النازي أدولف هتلر، من جهة جده”. فإلى أي مدى ستتدهور العلاقات بين موسكو وتل أبيب، بعد حميمية متناوبة، امتدت على مدى 75 عاماً، وهل ستنعكس إيجاباً على الموقف الروسي الرافض حتى الآن للرد على الاعتداءات “الإسرائيلية” على المواقع العسكرية في سوريا؟
ويأتي تصريح لافروف في سياق متغيّرات كبيرة طرأت على الموقف الروسي، وخاصةً بعد أن وصل قادة الكرملين إلى نتيجة قاطعة، مؤداها أن روسيا مهما فعلت، بل “حتى لو خرجت من جلدها”، فإن الغرب بأغلبية دوله لن يطمئن إليها، إلا وهي جثة هامدة قابلة للتقطيع، وأن مراهناتها على إمكانية إيجاد شراكة معه لا يمكن أن تحصل، إلا بتغيير بنية النظام العالمي المُهيمَن عليه من قبل الولايات المتحدة، وهذا ما يمكن أن يحصل من البوابة الأوكرانية، التي تحولت إلى ساحة الصراع الأساسية لنظام دولي لا يريد الموت، ونظام دولي في طور الولادة.
ولم يكن موقف لافروف اعتباطياً، بل كان مدروساً بدقة، ويستند إلى “مجموعة من الدراسات الجينية والتاريخية”، ليؤكد “عمق الارتباط بين النازية والصهيونية”، فكلتا الحركتين تستمد مواقفها تجاه الآخرين، “الغوييم”، من منطلق الاستعلاء، والحق في استخدام بقية الشعوب كيفما تقتضي مصالحهما، وقد سبق هذا التصريح مجموعة من الإجراءات الروسية بحق مراكز النفوذ والضغط الصهيونية داخل روسيا، وخاصةً على مستوى الإعلام والمال.
وعلى الرغم من انتماء اليهود الأشكيناز إلى المجال الروسي تاريخياً، من خلال أصولهم التي تعود إلى مملكة الخزر، وانتشارهم منها إلى العالم بعد انهيار مملكتهم، فإن القسم الذي بقي في روسيا لم يكن على علاقة جيدة مع المجتمع الروسي، وهو مجتمع اختار المذهب الأرثوذكسي، المعادي بطبعه لليهود، “المسؤولين عن صلب السيد المسيح”، إضافة إلى التعاطي اليهودي المعتاد، “المنفصل عن المجتمعات التي تحيط به، ضمن غيتوات، والممسك بمفاصل حركة الأموال والذهب”.
وفي هذه الأجواء “نشأت نواة الحركة الصهيونية في روسيا عام 1881″، تحت عنوان “أحباب صهيون”، قبل ستة عشر عاماً من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، وقد ذهب البعض إلى “اتهامها بالمسؤولية عن اغتيال القيصر الروسي ألكسندر الثاني” عام 1881، وكانت العداوة بأوضح أشكالها مع نشر “بروتوكولات حكماء صهيون” عام 1903، رغم مزاعم “تلفيقها من قبل الأجهزة السرية القيصرية”.
وعلى الرغم من الدعم الذي قدّمه الاتحاد السوفياتي في تقسيم فلسطين ودعم قيام كيان “إسرائيل”، فإن ذلك لم يحمه من الدور الإسرائيلي الذي أسهم بشكل كبير في تقويضه، والمساهمة في إضعافه وإنهاكه في مرحلة الرئيس بوريس يلتسين، وهذا ما يدركه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيداً، وهو الذي خبر الدور “الإسرائيلي” العدائي في جورجيا عام 2008، وفي أوكرانيا 2014، بالاشتراك مع الأميركيين والبريطانيين.
بوتين حاول التعاطي مع “إسرائيل” من مبدأ محاولة احتوائها، واستثمار “قوتها الضاغطة داخل الولايات المتحدة”، ما دفعه إلى الضغط باتجاه عدم الرد على الهجمات الصاروخية “الإسرائيلية” على المواقع العسكرية السورية والقوى الحليفة، مع “الإخبار المُسبّق” للتخفيف من عدد الضحايا العسكريين.
ومع اندلاع الحرب في أوكرانيا، تبيّن “خلل مراهنات موسكو” على كل من أنقرة وتل أبيب، وكشفت يوميات الحرب عن حقيقة موقف العاصمتين “المتورطتين بشكل كبير في دعم كييف”، التي يرأس حكومتها فولودمير زيلنيسكي ومعه عشرة وزراء، يحمل أغلبهم الجنسية “الإسرائيلية”، إلى جانب جنسيتهم الأم، هذا إضافة إلى انتقال “إسرائيليين” من أصل أوكراني للقتال مع المجموعات النازية ضد روسيا، في تناقض صارخ حيث يدعمون فعلياً مجموعات تتبنّى فكراً نازياً يحمّلونه المسؤولية عن “الهولوكوست”!
تصريح لافروف يأتي أيضاً في سياق تحولات كبيرة في موقف قوى المحور القريب من روسيا، والممتد من حدود أفغانستان إلى شرق المتوسط والبحر الأحمر، والذي عبّر عن نفسه في احتفالات يوم القدس العالمي، في يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان، وهي مواقف واضحة عن اكتمال الاستعدادات على مستوى قوى إيران والعراق ولبنان وفلسطين واليمن للردّ الفوري على أي اعتداء “إسرائيلي”، وما يعنيه ذلك من احتمالات التدحرج نحو حرب تعصف بالكيان، في ظل لحظة دولية حرجة جداً، واستثمار فرصة فراغ إقليمي ودولي، قد لا تتكرر إلا كل بضعة عقود، بما يتيح إسقاط كل المشاريع “الأميركية والإسرائيلية والتركية”، التي تستهدف سوريا والعراق بشكل مباشر، وبقية المناطق كتحصيل حاصل.