الدكتور احمد الدرزي | كاتب وباحث سوري
لم يمضِ يوم على لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر ڤالداي، الذي عُقد بعنوان واضح وصريح حول أهمية الشرق الأوسط، في السياسة الروسية، حتى انبرى بيسكوف ليعلن ملء فراغ غياب سوريا في الحوار الذي جرى مع الرئيس الروسي، موضحاً على نحو واضح استمرار السياسة الروسية في سوريا، فيما يتعلق بالمنظمات الإرهابية، واستمرار مساعدة السوريين، والقيادة في محاربة الإرهابيين، ما أثار الأسئلة حول الغياب السوري من اهتمامات الرئيس بوتين.
كان من الواضح أن اهتمامات القيادة الروسية، تنبع من طبيعة الصراع الكبير جداً، الذي تخوضه مباشرة، عبر العنوان الأوكراني، الذي يمثل ملفاً صغيراً أمام الصراع الحقيقي، الذي تخوضه موسكو وبكين وطهران ونيودلهي وأنقرة، على بنية النظام الدولي الجديد، الذي من المفترض في حال نجاحه وانتصاره، أن يُثَبِّت وقائع نظام اقتصادي جديد، لا يستند إلى النظام المالي الحالي، الذي يجري رسم سياساته المالية، بواسطة مالكي البنك الفيدرالي الأميركي الخاص، اعتماداً على هيمنة الدولار، وقنوات انتقاله.
وهذا ما يفسر ارتباط هذا المؤتمر بعنوان الشرق الأوسط، الذي يؤدي دوراً مهماً جداً في هذه الحرب الكبرى، وله الدور الحاسم بمساعدة موسكو على تجاوز العقدة الأوكرانية، وتقديم الدعم الكامل لروسيا في حربها، وتجاوز جبهة العقوبات الاقتصادية والسياسية، التي فُرضت على روسيا، بما يجعل من دوله شريكة في النظام الدولي الجديد، القابل للولادة في السنوات المقبلة، على الرغم من التناقضات الكبيرة بينها.
ومن هنا كان تركيز الرئيس بوتين على ذكر قاسم سليماني، الذي اغتالته الولايات المتحدة خارج إيران، مرتين في حواره، ليؤكد أهمية الدور الإيراني، الذي رفض توقيع العودة إلى الاتفاق النووي، بما يقدم خدمة كبيرة لروسيا، باستمرار تأثيرها الكبير في أسواق الطاقة، كسلاح فتاك في وجه دول الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، إضافة إلى الخدمات والدعم العسكري بالطيران المسيّر “شاهد 136″، الذي استطاع قلب المعركة، وفقاً للتصريحات الغربية والأوكرانية.
وكذلك الأمر عندما وصف الرئيس التركي إردوغان بأنه رجل موثوق به، وهذا يدلل على حجم التعويل الروسي على السياسات التي اتبعتها تركيا في الحرب الأوكرانية ورفض العقوبات على روسيا، ودورها كوسيط بين الأطراف، في مقابل مكاسب سياسية واقتصادية، بما يعزز حظوظ الرئيس إردوغان بالفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023.
ولا يغيب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن خطاب بوتين، الذي توافق مع بوتين على خوض حرب أسعار النفط، من خلال “أوبك+”، في وجه سياسات تحديد سقف لأسعار برميل النفط، وهذا ما جعل من السعودية عنصراً أساسياً في حلف الأقوياء الشرق الأوسطي، الذي حاكته موسكو في أصعب مرحلة تاريخية، قد تصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة بين القوى العظمى.
كان بوتين صريحاً بما فيه الكفاية، في توضيح أولويات سياساته في الشرق الأوسط، فالآن الأولوية لمن يستطيع مساعدته في الحرب العسكرية المباشرة، وفي الحرب الاقتصادية، وأن انتصاره في هذا الصراع سيجعل من الدول الثلاث، ذات أولوية قصوى في بناء نظام إقليمي جديد، وفقاً لقاعدة “يجب أن نسعى لتحقيق التوازن في المصالح، وحينذاك فقط يكون العالم آمناً”، التي صرح بها عند إجابته، على نحو مختصر، عن قضايا الكرد، بعد أن سأله الباحث الكردي محمد إحسان، عن إمكان تحقيق العدالة للكرد.
كان الغياب السوري واضحاً في حوار الرئيس الروسي، بعد أن ركَّز على حلفائه الدول القوية الثلاث (إيران وتركيا والسعودية)، وما يمكن أن تقدمه له في هذه الحرب، وهي بالأساس دول لها أدوار أساسية في الحرب السورية، وتمتلك نفوذاً لا يستهان به على مسارات السياسة القادمة، وفي انتظار عودة الحليف الرابع نتنياهو إلى الحكم في “إسرائيل”، في الانتخابات المقبلة، ما يزيد من تعقيدات الكارثة السورية، ويدفع بظهور الأسئلة الوجودية حول مستقبل سوريا السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأي حلول يمكن أن تطرح، بعد أن تحولت الساحة السورية إلى ساحة صراع إقليمي ودولي، تمنح الدول الثلاث أو الأربع نفوذاً متناقضاً في أي حل سياسي سوري، بعد أن فقد السوريون قدرتهم على الاجتماع، والوصول إلى قاسم مشترك، يمنحهم مقدّمات العودة إلى نادي الأقوياء، في الصراع على الأدوار الإقليمية، فضلاً عن استمرار الولايات المتحدة، التي تستمر في محاولاتها التقسيمية الأربع، شمالاً، ووسطاً وجنوباً وشرقاً، فهل يستطيع السوريون التغلب على أنفسهم، فينقذوا بلدهم وأنفسهم؟