كتب د . احمد الدرزي | العَلم الذي حاصر حراك السويداء
الدكتور احمد الدرزي | كاتب وباحث سوري
كان من المتوقع أن تظهر بعض الحراكات السورية في بعض المناطق إثر تعاظم تأثير العقوبات الخارجية المترافقة مع ازدياد التدخل الأميركي والغربي في أكثر من ساحة داخلية من جهة، واستمرار السياسات الداخلية الضاغطة على السوريين وغياب المقاربات الضرورية والملحة لانتشال سوريا من المخاطر المحدقة بها من جهة ثانية.
تَغيَّر المزاج العام للسوريين في الداخل بعد التجميد العربي الذي تقوده السعودية والإمارات “المتنافستان والمتصارعتان في أكثر من ساحة” لمقاربة دمشق بطريقة مختلفة، وهما الدولتان اللتان دخلتا حديثاً إلى منظمة “بريكس”، ومعهما مصر، التي لا تبتعد عنهما برؤيتهما للحل السياسي في سوريا، في مسارٍ يُخرجها كعقبة أساس أمام بناء نظام إقليمي جديد يكون لهذه الدول دور أساسي فيه بالتنافس مع تركيا وإيران.
انفلات سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الصعبة، وعدم القدرة على التحكم في هذا الانهيار، بفعل الحضور الطاغي لاقتصاد الظل، والتقلص الكبير لدورة الاقتصاد الطبيعي، مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية والدواء، وتأثيرات العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ساهمت كلها بتوفير مناخ لحراك مستجد.
كانت السويداء أكثر المناطق المرشحة لحدوث حراك معارض بحكم ثقافتها التاريخية الحاكمة لها في تحديد خياراتها السياسية التي غلب عليها الطابع الوطني، فقد واجهت العثمانيين، وكان لها دور بارز في مقاومة الاحتلال الفرنسي بقيادة سلطان باشا الأطرش الذي رفض عرضاً بريطانياً للانفصال عن سوريا.
وقد استمر دورها الوطني البارز زمن الانقلابات العسكرية بعد الاستقلال، ما دفع الرئيس أديب الشيشكلي إلى وصفها قائلاً: “سوريا كالأفعى، رأسها في جبل الدروز، وبطنها في حمص، وتمتد إلى حلب”.
هذه المدينة بثقافتها الخاصة لا تنفصل عن المناطق التي ترتبط بها في لبنان وفلسطين المحتلة والجولان والأردن، لكن ذلك لم يمنعها من الانقسام السياسي والاختلاف بشأن موقفها مما يجري في سوريا والمنطقة والعالم عموماً، وأصابها الانقسام بحكم التنافس السياسي على توجهات الزعامات السياسية والدينية التي لا تنفصل عن بعضها البعض بشكل أقرب إلى التحالف التنافسي تحت سقف إطار الجماعة العام وضمنها، ما خلق تيارين متباينين إلى حد كبير سياسياً، ولكل منهما قادته الروحيون.