الدكتور احمد الدرزي | كاتب وباحث سوري
مع إعلان قوات “قسد” عن انتهاء العمليات العسكرية في دير الزور، وتوجّه القائد العسكري لها، مظلوم عبدي، بالشكر للعشائر العربية التي وقفت مع “قسد” في الأزمة الأخيرة، برز السؤال الذي طرح نفسه بقوة، هل ستتوقّف النزاعات في الجزيرة السورية؟
خرجت الصراعات في الجزيرة السورية، عن كونها ذات طابع محلي، منذ أن فقدت دمشق السيطرة عليها، بسبب عجزها عن مواجهة كل النقاط الساخنة، التي أُشعلت بوجهها بعد بدء الحرب الإقليمية والدولية فيها، فكان لمسار الأحداث في الجزيرة خصوصية مختلفة عن بقية المناطق، بعد أن دخلت القوات الأميركية كقوة احتلال، شأنها شأن القوات التركية، فتحوّلت المنطقة منذ لحظة دخولها، إلى ساحة جديدة للصراع الدولي والإقليمي، بالاستناد إلى قوى محلية ذات امتدادات إقليمية، وخاصةً العشائر العربية والكرد، مما يتيح للطرفين قدرات من خارج حدود الجزيرة.
كان للجغرافيا السياسة لهذه المنطقة دور مهم في إعطائها أهميتها القصوى في هذه المرحلة، فموقعها على الحدود التركية، يجعلها ذات أهمية قصوى لتركيا، بما تعتبره تهديداً لأمنها القومي، بحكم وجود الكرد “الأوغلانيين” فيها، بامتداداتهم المؤثّرة في الداخل التركي، عدا عن مطامعها التاريخية فيها، وما تحتويه من موارد نفطية وغازية وزراعية، تُستخدم بشكل واسع في الحرب السورية كإحدى أدوات الصراع المهمة.
وهي مهمة جداً بالنسبة للأميركيين، فاحتلالهم لها، يمنحهم إمكانيات الضغط على تركيا، وضبط مساراتها السياسية، بصراعهم مع الروس والإيرانيين بشكل مباشر، ومع الصينيين بشكل غير مباشر، لإفشال “مبادرة الحزام والطريق”، ومن هنا كان اعتمادهم على قوات “قسد” كقوة عسكرية منظّمة، بعد أن تخلّت باستراتيجيتها العسكرية، عن الدخول بمواجهات مباشرة مع القوى العسكرية للدول.
يشكّل الكرد عنصراً أساسياً في نسيج منطقة الجزيرة السورية، إضافة إلى منطقة عفرين، وهم الوحيدون الذين يمتلكون قدرة تنظيمية موحّدة، معزّزة برؤية سياسية واضحة لأنفسهم في خِضمّ فوضى الرؤى السياسية، للقوى التي تعتبر نفسها في موقع المعارضة، عدا عن كونهم يطرحون مشروعاً سياسياً واضحاً لمستقبل سوريا، رغم أنه لا يمتلك مقوّمات نجاحه في أي حل سياسي للمسألة السورية، ذات البعد الإقليمي والدولي، والمرتبط بنتائج الصراع، واحتمالات التسوية الدولية الممكنة للصراعات، على مستوى أكثر من منطقة في العالم، بما يحفظ المصالح الإقليمية لدول الجوار وأمنها القومي، وبما يتناقض مع طموحات الكرد مع بعضهم البعض، أم داخل كل دولة من الدول.
استطاع الكرد ملء الفراغ الحاصل، نتيجة التراجع الكبير لسيطرة الدولة السورية على الأراضي السورية، إضافة إلى محاربة تنظيم “داعش” بدعم أميركي كامل، من السيطرة على الموارد النفطية والغازية والزراعية، مما مكّنهم من السيطرة على المفاصل السياسية والاقتصادية، للعمل على بناء تجربتهم السياسية الخاصة، التي لا تنسجم مع البنية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لأبناء الجزيرة، التي يغلب عليها الطابع العشائري، الذي له أعرافه القانونية الخاصة، وروابطه الاجتماعية المختلفة، عدا عن كونهم قد لا يشكّلون أكثر من 15% من مجمل سكان المنطقة الممتدة من منبج إلى الرقة ودير الزور والحسكة (لا توجد إحصاءات علمية ورسمية حتى الآن).
تشكّل العشائر العربية الموجودة في منطقة الجزيرة السورية، قرابة 85% من قاطني الجزيرة، وهي لا تجتمع على رأي واحد، وتغلب عليها الانقسامات فيما بينها، وخاصةً ما يتعلق بخياراتها السياسية، ورؤيتها لمستقبلها السياسي، مما يفقدها القدرة على تنظيم نفسها ضمن إطار واحد، رغم الجذور المشتركة لأغلب العشائر، وخاصةً عشائر العگيدات الزبيدية الطائية، المنتشرة في سوريا والعراق وقطر والبحرين، ولها قرابات مباشرة مع عشائر العزَّاوية في العراق وسوريا، إضافة إلى عشائر الدليم والجبور والبو سلطان واللهيب والعونان والجنابيّين.