خليل نصرالله | كاتب لبناني
يسعى المواطن السوري لتحصيل رزقه مما تنبت الأرض وتخبئ من ثروات. يذهب بعيدًا حيث “باب الرزق” لتحصيل لقمة عيشه، حتى في قلب البادية. لكن ذلك لا يمنع “الإرهاب” من ملاحقتهم والانقضاض عليهم وقتلهم واختطافهم.
يوم السبت، عشرات المواطنين السوريين يذهبون إلى عملهم الموسمي، المتمثل بجمع “الكماة” جنوب مدينة تدمر، بهدف بيعها وتحصيل لقمة العيش، فتنقض عليهم خلايا تابعة لتنظيم “داعش” الإرهابي وتقتل أربعة بينهم امرأة وتجرح عشرة وتختطف ما يزيد عن الستين شخصًا، بينهم نساء.
العملية الإرهابية، تأتي في ذروة انشغال سوريا بتضميد جراحها جراء الزلزال المدمر الذي طال مناطقها الشمالية الغربية وصولًا إلى وسطها في مدينة حماة.
من يعرف تلك المنطقة ونشاط الإرهاب فيها طوال الأعوام الماضية، يتضح له أن الأعمال الارهابية لا تقع عن طريق الصدفة، بل لكل اعتداء أهدافه التي تخدم أجندات خارجية على رأسها الأجندة الأميركية الهادفة إلى مواصلة ضرب الأمن وإشاعة حالة اللا استقرار بين المحافظات السورية وطرق الوصل بينها.
خلال الأعوام الماضية، تحديدًا ما تلا تحرير الجيش السوري وحلفائه مدينة البوكمال، وفك الحصار عن مدينة دير الزور وبالتالي طرد تنظيم “داعش” من شرق حمص، وتفتيت تجمعاته في البادية السورية، نشط تنظيم “داعش” الإرهابي عبر مجموعات متفلتة هنا وهناك، منها من يتموضع في قرى صغيرة في البادية، أو واحات، ومنها من يقيم ويتموضع على مقربة من منطقة تحتلها واشنطن والمعروفة بشعاع الـ 55 كلم في منطقة التنف جنوب شرق البلاد، عند المثلث السوري العراقي الإردني.
ضرب “داعش” أكثر من مرة في بادية البوكمال، والميادين ودير الزور وشرق حمص، وعلى مقربة من ريف حماة الجنوبي الشرقي الملاصق لريف حمص الشمالي. كانت هذه العمليات توقع خسائر في صفوف قوات للجيش العربي السوري وكذلك حافلات مدنية، وأحيانًا شاحنات نقل بضائع. إذا ما استعرضنا خارطة العمليات الارهابية يتضح أنها تستهدف طرق الوصل بين محافظات حماة، الرقة، حمص، ودير الزور، وهي طرق إمداد سواء للجيش السوري وحلفائه أو للتجارة الداخلية بين المحافظات وكذلك تنقل المواطنين. ويمكن الاستنتاج أن هذه الاعتداءات هادفة وليست صدفة، وتخدم مصلحة أميركية واضحة لا لبس فيها.
الأسبوع الماضي، تأثر شمال غرب سوريا من زالزال مركزه جنوب تركيا. حجم الكارثة كبير جدًا ما استدعى نجدة من الحلفاء ودول الجوار على وجه السرعة، منها القوافل التي تأتي من العراق، والتي قال مسؤول عراقي إن الأميركيين انزعجوا وأخّروا بعضها بحجة أعمال لهم تتعلق بالإرهاب. من هنا يمكن فهم طبيعة ما جرى في تدمر، وهو إنذار قاس – نتيجة حجم الخسائر- لمن يعين سوريا. وكأن هناك من يحاول توجيه تهديد لقوافل الإغاثة كتعويض عن تنازلات قدمت وقضت باستثناءات من قانون قيصر.
من خلال التجربة، يمكن الجزم بأن يدًا أميركية ما ضالعة بما يجري، فكثير من المشاغبة في البادية السورية والمناطق التي أشرنا إليها تتم عبر “شماعة داعش”، ناهيك عن أن لتلك المجموعات ارتباطات بالأميركيين، والأدلة كثيرة على ذلك.
وعليه، من المشروع السؤال عما إذا أفلت الأميركيون هذه الخلايا في توقيت حساس تشهده سوريا، كنوع من التشويش على أعمال الإغاثة التي يرفدها الحلفاء خاصة من العراق وطهران، عبر جسور برية إلى جانب الجسور الجوية.
إن الإرهاب لا يعمل بمفرده، والمراجعات لأعماله تبين أنه يحظى بإدارة أجهزة استخبارات على رأسها الأميركية. وإن ما وقع في تدمر ليس صدفة، بل لهدف واضح لتهديد القوافل، وهو ما يتحمل الأميركيون مسؤوليته بالدرجة الأولى.