خليل نصرالله | كاتب واعلامي لبناني
زيارة غير معلن عنها مسبقًا، قام بها رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة مارك ميلي إلى سوريا، حيث ترابط قوات أميركية بشكل غير شرعي في المنطقة، وتدعم ميليشيات محلية تعمل وفق مصالحها.
الزيارة تعتبر الأهم لناحية شخص ميلي، وهو أعلى شخصية عسكرية أميركية تزور شمال شرق سوريا، منذ دخول الولايات المتحدة الأميركية عبر مستشارين عام 2014.
قد لا يكون ميلي التقى قيادات ميليشيا “قسد” والإدارة الذاتية، خاصة مع تضارب بالأنباء إن كان حط في “التنف” أم زار قاعدة أخرى في شمال شرق البلاد، لكن مجرد وجوده في سوريا، وبغض النظر عن الأهداف من جولته، فهو يعطي دفعًا للمليشيات التي تدعمها واشنطن خاصة الانفصالية منها.
بعد كارثة الزلزال، التزمت ما يسمى “الادارة الذاتية” بالتوجيهات الأميركية وقانون “قيصر” المستثناء منه بكثير من المجالات، وجل ما فعلته هو ارسال مائة شاحنة محروقات، دون تغطية اعلامية، قبل أن تحاول لاحقًا مد مناطق “كردية” ببعض المساعدات.
كان من المفترض أن تفتح “كارثة الزلزال” بعض الأبواب المغلقة بين دمشق و”قسد”، وتعطي دفعًا لحوار تخوضه “قسد” مباشرة أو بوساطة روسية، لكن الوقائع والمعطيات المتوفرة بينت عكس ذلك، إذ تصرفت تلك الميليشيا وفق الإرادة الأميركية وكأن ما حصل في سوريا لا يعنيها، وهو ما يبين بعض توجهاتها الانفصالية، وفقدانها للإرادة والقرار.
ودون الغوص بكثير من المفاصل والوقائع لطبيعة هذه الميليشيا، يكفي استحضار ما حصل عام 2019، لتبيان كيفية “انتعاشها” أمام أي تصريح أميركي، والاستناد إليه للتراجع عن التزمات تقدمها. عام 2019، تقربت من دمشق أبان عملية ما سمي “نبع السلام” التي نفذتها تركيا شمال البلاد. وسرعان ما وقعت “الإدارة الذاتية” اتفاق “منبج” والذي قضى بدخول الجيش السوري الى المنطقة الحدودية من منبج وصولا إلى المالكية، كي يحد من العملية التركية، من جهة، ومن جهة أخرى يستعيد السلطة على الأرض. كانت “قسد” مستعدة لتقديم الكثير، وهي تراقب تصريحات الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” الذي كان سقفه ترك سوريا والبقاء عند آبار النفط، لكن تصريحات أميركية صدرت من القيادة الوسطى تحدثت عن مواصلة دعم القوى المحلية التي تقاتل تنظيم “داعش” الإرهابي، وأن واشنطن ستحتفظ بوجود عسكري هناك، وهو ما أوضحه لاحقًا قائد القيادة الوسطى آنذاك كينيث ماكينزي، بقوله: سنقلل عديد القوات من أجل بقاء طويل الأمد. هذه التصريحات دفعت الأخيرة إلى فرملة اندفاعتها، والعودة إلى ذات الرهان على الأميركيين.
ولاحقًا علق وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” قائلا: “إن وحدات الحماية تراجعت عن التفاوض مع دمشق بعد إعلان الولايات المتحدة إبقاء قواتها في شمال شرق سوريا”.
تصريحات رأس الدبلوماسية الروسية التي تتوسط بلاده التفاوض في بعض الجوانب، وتعمل على تذليل بعض العقبات، والتي عززت وجودها عسكريًا في مناطق الشمال، تحديدا في القامشلي، والمنطقة التي دخلتها الى جانب القوات السورية وفق اتفاق منبج، كانت تشير بوضوح إلى أن التفاوض مع “قسد” مضيعة للوقت لارتهان الأخيرة إلى إرادة الأميركيين.
بعد زيارة رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة “مارك ميلي”، من الواضح أن القوى الانفصالية ستواصل ذات السلوك الذي انتهجته في الماضي، وهو قد يؤثر على كثير من الخطوات المفترض التفاهم حولها مع دمشق، خاصة أن الأخيرة وفي تفاوضها غير المباشر مع تركيا تعيد رسم شيء من الخارطة شمالا وبهدوء دون استعجال، وهو ما قد ينعكس سلبا على أي تواجد انفصالي شمال البلاد، حتى وإن كانت تدعمه واشنطن.
المصدر – موقع العهد الإخباري
https://alahednews.com.lb/article.php?id=51510&cid=124