خالد عرار | كاتب واعلامي لبناني
حيث تنظر في عيونهم الطافحة بالوجع والأسى، تتساءل عما اقترفوه من ذنبٍ حتى تكافئهم الحياة بتلك الطريقة التعسفية، وينتابك السخط عندما تعلم أن للبشر دوراً في إنتاج المآسي التي تسير على اقدامٍ، وتحاول أن تتلمس لها طريقاً الى المستقبل الغامض والمحفوف بالمشقات والعراقيل والإهمال، فكيف اذا كان هؤلاء البشر القيمون على وزارة الشؤون الإجتماعية والوزراء الذين تعاقبوا عليها والذين حولوها الى مزرعةٍ للمحاسيب والمحازيب والأقارب وأبناء جلدتهم خصوصاً في البقاع امتداداً على طول سهل الحرمان، من راشيا الى الهرمل، وأمعنوا في معاناة المعوقين وذويهم وتركوهم مشلوحين على أرصفة الإهمال والنسيان. فما من معوق إلا ويختزن بين جنبيه سببًا وقصة، ويرزح تحت أوزار الآخرين ونتائج إهمالهم واستهتارهم. قيل: “اذا أحب الله امرىءٍ ابتلاه” ويقال: “أن هذه النظرية ليست إلا من قبيل المواساة والتخفيف عن صاحب البلوى من خلال الإيحاء إليه بأنها مجرد تصريحٌ بالحب من السماء وأن اعاقته هي دليل على رضا الخالق عنه”! ولكن المشكلة لا تكمن هنا على كل حال، انما في كون تلك البلاوي تكاد تقتصر على أعزّ وأغلى ما يملكه المرء ويحرص عليه، وإلا فهل يملك المرء أثمن من صحته وسلامة عقله وجسده. إذا كان قضاء الله وقدره أمرين محتومين ليس منهما بدُ، فما القول بالبلاوي التي تنزلها وزارة الشؤون الإجتماعية ومكاتبها التي فرخت في البقاع بدءاً من راشيا وانتهاء في الهرمل، هذه المكاتب التي فتحها الوزراء المتعاقبون على وزارة الشؤون الإجتماعية وعينوا عليها مسؤولين من أحزابهم التي ينتمون إليها ومناصريهم واقربائهم، حيث رفعت هذه المكاتب لوائح بأسماء العائلات التي تستحق المساعدة الإجتماعية في هذه الظروف الصعبة وبدأت هذه العائلات تتلقى مساعدة مالية بقيمة ثمانين دولاراً شهرياً، وبعد بحث وتدقيق في وضع هذه العائلات تبين أن غالبيتهم من العائلات التي لا تستحق المساعدة التي تقدمها وزارة الشؤون الإجتماعية إلا أن عامل القرابة مع رؤساء المراكز وبعض الولاءات السياسية هي السبب في تلقيهم المساعدة المالية، ولدينا نماذج وأسماء كثيرة عن بعض هذه العائلات التي تمتلك الإمكانات للصمود في وجه هذه الأزمة والبعض منها يعمل في لعبة صرف الدولار. فيما الذين يعانون من إعاقات جسدية وذهنية إضافةً إلى الأمراض المزمنة التي تحتاج الى أدوية باهظة الثمن بشكل دائم والتي لا يستطيع ذويهم تأمينها لم تدرج أسماءهم على لوائح الوزارة التي كان من أسباب تأسيسها رعاية المعوقين والعائلات التي ترعاهم. لم يقتصر الإهمال والتآمر على المعوقين فقط على وزارة الشؤون الإجتماعية بل أيضاً على الجمعيات التي أنيطت رئاستها لعائلات الرؤساء والوزراء والتي خصص لها مئات المليارات من خزينة الدولة ولم يرى منها المعوقين أي شيء، والأنكى من كل ذلك جمعيات “المجتمع المدني” التي تركت المعوقين وعائلاتهم خارج دائرة اهتماماتهم في وقت تباع فيها الحصص الغذائية المخصصة لهم في المحلات التجارية والسوبر ماركات. على العموم تبقى مسألة أصحاب الاحتياجات الخاصة وأسرهم واحدة من أكثر قضايا الإنسانية حضوراً وتماساً مع المشاعر والقيم والأخلاق البشرية السامية، لكن ليس في لبنان ولا مع وزارة الشؤون الإجتماعية ولا مع مكاتبها الفئوية والعنصرية في المناطق التي تركت هذه الشريحة في لبنان في مهب المأساة بشراً مع وقف التنفيذ.