حيان نيوف | كاتب وباحث سوري
في تصرح لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال فيه : “إن موسكو التي فرض الغرب عليها عقوبات واسعة في الأيام الماضية- تحتاج إلى ضمانات قبل دعم الاتفاق النووي بين القوى الكبرى وايران ، وأضاف أن روسيا تريد ضمانات مكتوبة من الولايات المتحدة بأن العقوبات المتعلقة بأوكرانيا لن تضر بأي شكل من الأشكال بحقوقنا في التعاون التجاري والاقتصادي والاستثماري الحر الكامل، والتعاون العسكري التقني مع إيران” ..
كلام لافروف يضع النقاط على الحروف ويكشف المؤامرة الغربية عموما والأميركية خصوصا والتي سعت إلى تزامن الملفين الأوكراني والايراني ..
لقد بات واضحا أن الولايات المتحدة التي قادت حملة إعلامية كبيرة للتبشير والتحذير من العملية العسكرية الروسية الوشيكة في أوكرانيا ،ونفخت براس الرىيس الأوكراني زيلينسكي ، وهيأت له ما يلزم على الأرض لأجل هذه الحرب ، ولم يعد سرا أن زيلينسكي كان يحضّر مع القوميين لإعلان الحرب على الدونباس قبل أن تفاجئه روسيا بعملية استباقية ..بات من الواضح أن الولايات المتحدة اتخذت هذا القرار قبيل اختتام مفاوضات فيينا ..
ماخططت له الولايات المتحدة هو تكبيل روسيا بسلسلة عقوبات متنوعة اقتصادية وعسكرية وتجارية بالتزامن مع رفع العقوبات عن ايران بموجب اتفاق فيينا ، مما سيؤدي حكما إلى عرقلة التعاون الإيراني الروسي الذي سيعاظم بعد رفع العقوبات المفروضة على ايران ..
تعتقد الولايات المتحدة أن هذه الخطة كفيلة بتحقيق هدفين مهمين للغاية :
الأول ؛ يتمثل بحرمان كل من إيران وروسيا من قطف ثمار التعاون فيما بينهما بعد رفع العقوبات بموجب اتفاق فيينا وذلك من الناحيتين العسكرية والاقتصادية عن طريق فرض عقوبات على موسكو ..
الثاني ؛ يتمثل في استفراد الولايات المتحدة وحلفاءها بنتائج رفع العقوبات عن طهران عبر الاستفادة والاستثمار في التعاون التجاري والاقتصادي وغيرها بعد تحييد روسيا ، بما يساهم بتحقيق أرباح كبيرة ، وإبعاد إيران تدريجيا عن روسيا ..
وهنا لا بد من العودة قليلا للوراء واستحضار الانفتاح الذي قام به حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة وخاصة ( الإمارات و قطر ولاحقا السعودية ) على إيران في الآونة الأخيرة والذي يبدو أنه يمثل جزءا من هذه الخطة الأمريكية ..
بلا شك فإن تصريحات لافروف تكشف الإدراك الروسي للمخطط الأمريكي ، وهذا الإدراك يقابله بالتأكيد وعي ايراني لما يحاك في الغرب من استهداف للعلاقات الروسية الإيرانية ..
واذا كان وزير الخارجية الأمريكي بلينكن احتج على كلام لافروف ووصفه بأنه “غير ذي صلة” ويقصد الربط بين العقوبات على ايران بسبب الملف النووي ، والعقوبات على روسيا بسبب الملف الأوكراني ، فإن ذلك يؤكد ما ذهبنا إليه في تحليلنا ..
من هذا المنطلق يمكننا فهم الموقف الايراني من الحدث الأوكراني ، والمتمثل في تحميل الغرب مسؤولية ما يجري في اوكرانيا ، والدعوة في ذات الوقت لوقف الحرب واطلاق الحوار ، والذي عبر عنه المرشد الأعلى والرئيس الإيراني ، وهو ما يعكس إدراكا إيرانيا للخطة الأمريكية ، وكأن الإيراني يريد القول فلتتوقف الحرب في اوكرانيا والتي تتحمل الولايات المتحدة مسؤوليتها ولترفع العقوبات عن روسيا ولتختتم مفاوضات فيينا ..
الموقف الرسمي الإيراني عاد اليوم للتأكيد على أن هناك ثلاثة أمور عالقة في فيينا متعلقة بالضمانات التي تطلبها طهران ، وذلك بعد أن جرى الحديث عن الانتهاء من كتابة نص الاتفاق النهائي ، وهذا الموقف يأتي بعيد تصريحات لافروف التي أطلقها بالأمس .
وبالمحصلة ؛ المخطط الأمريكي الغربي انكشف للروس والايرانيين ، والترابط بين الملفين الأوكراني والنووي الإيراني لا يمكن فصله ، والجميع على ما يبدو سيكون مضطرا لانتظار بوتين حتى ينهي عمليته العسكرية في أوكرانيا ويجبر الغرب على الرضوخ برفع العقوبات عن موسكو ، أو على الأقل لتضمين اتفاق فيينا بندا يستثني العلاقات الروسية الإيرانية من العقوبات المفروضة بسبب اوكرانيا ..
إن الانتقال الى عالم جديد متعدد القطبية في هذا التوقيت هو قرار اتخذه محور الشرق بكامل مكوناته ( روسيا و الصين و إيران و حلفاؤهم ) ، وعلى الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا أن يدركوا أن هذا العالم الجديد لن يكون وفق ما يشتهون ويتمنون ، وأن محاولاتهم لدق اسفين بين روسيا وإيران ، لن تكون نتائجها الا كمحاولاتهم السابقة لدق اسفين بين روسيا و الصين والتي اعترفوا علنا بفشلها …