حيان نيوف | كاتب وباحث سوري
تشير التحركات والأحداث الإقليمية إلى متناقضات تبدو للوهلة الأولى عصيّة على التفسير. فعلى الصعيد السياسي ظهرت العديد من المؤشرات الإقليمية المتزامنة التي توحي بانفراجات قريبة وتفاهمات معلنة أو غير معلنة ربما تجري خلف الكواليس.
أولى تلك المؤشرات تتعلق بالملف اليمني من خلال الزيارة الأولى من نوعها لوفد يمني رفيع المستوى يمثل حكومة صنعاء إلى العاصمة السعودية الرياض بوساطة عمانية حيث أجرى الوفد مفاوضات مكثفة على مدار خمسة أيام مع المسؤولين السعوديين اختتمت بلقاء وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان قبل أن يغادر الوفد اليمني إلى صنعاء للتشاور مع القيادة اليمنية حول مواضيع الحوار، الأمر الذي يعكس أهمية وعمق المحادثات التي جرت، وهو ما عبّر عنه رئيس الوفد اليمني المفاوض محمد عبد السلام بعد عودته من الرياض إلى صنعاء عندما كشف بأن المفاوضات شملت الوضع الإنساني وصولًا إلى حل عادل وشامل ومستدام.
فيما تحدثت تسريبات إعلامية أخرى عن قرب إعلان اتفاق مرحلي “يمني – سعودي – يمني” خلال المرحلة القادمة يشمل جميع القضايا الخلافية بما فيها فتح المطارات و اعادة الإعمار وخروج القوات الأجنبية من اليمن.
المؤشر الثاني الذي شهدته المنطقة تمثل بإنجاز اتفاق “السجناء والأموال” بين الولايات المتحدة وإيران، والذي شمل الإفراج عن خمسة أميركيين محتجزين لدى طهران بتهم مختلفة مقابل إفراج الولايات المتحدة عن إيرانيين اثنين وما يقارب ستة مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في الخارج، وهذه الصفقة المنجزة شكلت انتصارًا جديدًا لطهران في المواجهة مع واشنطن التي تبحث إدارتها عن انجاز يمكننا تسويقه في ظل الفشل المتراكم لها على الصعيدين الداخلي والخارجي خاصة مع قرب انطلاق حملات السباق الرئاسي للبيت الأبيض.
أما المؤشر الإقليمي الثالث فتمثل بتنفيذ الإتفاق الإيراني – العراقي المتعلق بإبعاد الجماعات المسلحة الإرهابية الكردية التي كانت متمركزة على الحدود الإيرانية – العراقية وإبعادها عن منطقة الحدود بعد تجريدها من أسلحتها ونشر قوات أمن الحدود العراقية، وكانت إيران قد هددت بالتدخل العسكري للتخلص من تلك الجماعات المسلحة وأعطت العراق مهلة لتنفيذ الإتفاق الموقع بين البلدين بخصوصها، خاصة أن تلك الجماعات استخدمت من قبل أعداء إيران لتنفيذ أجندات خارجية وأعمال إرهابية في الداخل الإيراني وعلى طول الحدود الشمالية الغربية لإيران خدمة لمصالح خارجية.
وفي مقابل تلك المؤشرات الإيجابية الثلاثة، فإن مؤشرات أخرى حملت طابع السلبية والتعقيد والمواجهة خاصة ما يتعلق منها بالملفين السوري واللبناني، وفي الوقت الذي شهد فيه الأخير استمرارًا لأزمة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية على الرغم من جهود داخلية وخارجية بذلت في هذا الإطار وآخرها زيارة المبعوث الفرنسي، ودعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري للحوار بخصوص هذا الملف فإن الإنسداد السياسي ما زال سيد الموقف.
وفيما يخص الملف السوري فإن التعقيد انتقل الى مرحلة المواجهة خاصة في شرق الفرات التي شهدت مواجهات بين العشائر العربية وميليشيا قسد، هذه المواجهة وإن خفّت حدتها فإنه من غير المتوقع أن تنتهي في ظل استمرار الإحتلال الاميركي للجزيرة السورية وسرقتة للنفط والقمح ومحاولاته المستمرة والفاشلة لإغلاق الحدود السورية – العراقية، ومحاولاته اللاحقة للعبث بالجنوب السوري بالتنسيق مع الكيان الصهيوني، وتزامن كل ذلك مع زيادة النشاط الإرهابي للجماعات المسلحة في الشمال والشمال الغربي بدعم من أنقرة.
إن النظر إلى كل تلك المؤشرات ووفقاً للمنطق فإنه يمكن الجزم واستنادًا إلى التحالفات الإقليمية وامتداداتها الدولية أنه من المستبعد فصل المسارات الإقليمية عن بعضها خاصة المتعلقة منها بمحور المقاومة، وبالتالي فإن ما جرى إلى الآن ربما يكون مقدمة لحلحلة شاملة وتدريجية، وأما تفسير التعقيد في الملف السوري فهو ربما يعكس محاولة امريكية لتحسين شروط التفاوض، خاصة أن الولايات المتحدة ما زالت تنظر إلى الجغرافيا السورية من زوايا متعلقة بأمن قواتها في الأردن وأمن الكيان الصهيوني وتأمين الحدود بين سورية والعراق بما يخدم مصالحها وارتباطها جيوسياسيا بالصراع في أوكرانيا.
وبكل الأحوال فالسعودية التي تفاوض صنعاء للخروج من المأزق الذي وضعتها فيه واشنطن بالحرب على اليمن تدرك جيدًا بأنه لا إمكانية لفصل المسارات الإقليمية وأن محاولاتها للخروج من المأزق اليمني تستوجب السير بالتسوية في الملف السوري، وهي تحاول على ما يبدو المفاضلة بين الخيارات المتاحة لها بالتدريج لتحقيق تلك الأهداف، ويمكن الإستدلال على ذلك من خلال ما تسرب عن لقاء سوري مع حكومة عدن على هامش اجتماعات الجامعة العربية الأخيرة، ومن خلال ما تسرب عن منح السعودية للتأشيرات الدبلوماسية للعاملين بالسفارة السورية بالرياض.
وبالنسبة لتركيا فما زالت المماطلة التركية واضحة ويبدو أنها ستستمر حتى اللحظات الأخيرة بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب حيث يعتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه بالإضافة إلى سياسات المضاربة التي يتبعها فإنه يستطيع تحقيق سلة من المكاسب النهائية على المستوى الإقليمي.
لكن ما صرح به وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان منذ أيام حول اقتراح قدمته طهران لتسوية العلاقة السورية التركية تتضمن انسحابًا تركيا في مقابل استلام الجيش السوري لأمن الحدود يأتي في إطار تشابك الملفات واستحالة فصلها.
أخيرًا ، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن مشروع الممر الإقتصادي الهندي السعودي الأوروبي قد فرض معادلات جديدة لا يمكن تجاهلها في الإقليم، وهذا المعادلات تستوجب التحرك من قبل الأطراف الإقليمية والدولية سواء المتضررة من هذا المشروع أو المستفيدة منه، بل يمكن القول بأن هذا المشروع قد أعاد فرض منطقة الشرق الاوسط كأولوية جيوسياسية وسياسية على المستوى العالمي حيث من المتوقع أن تعود إلى دائرة الإهتمام العالمي بموازاة مناطق أخرى كأفريقيا وجنوب آسيا أو على حساب مناطق أخرى كأوكرانيا، وربما خير دليل على ذلك ستكون الزيارة التاريخية التي سيقوم بها السيد الرئيس بشار الأسد إلى العاصمة الصينية بكين ولقاء القمة الذي سيعقده مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، هذه الزيارة من الممكن أن تشكل انقلابًا جيوسياسيًا إقليميًا ودوليًا.
العهد الاخباري