حسّان الحسن | كاتب واعلامي لبناني
لم تغيّر الانتخابات النيابية كثيرًا في التركيبة السابقة للمجلس النيابي، ما خلا بعض الخروقات من المستقلين ومن يطلقون على أنفسهم أسم “مجتمع مدني”. وكانت معظم هذه الخروقات في الشارع السني، وذلك بسبب إحجام الرئيس سعد الحريري وتياره عن المشاركة في هذه الانتخابات، كذلك عدم ترشح الرئيسيّن نجيب ميقاتي وتمام سلام وسواهما ممن فضل عدم الترشح أو المشاركة في الاستحقاق البرلماني. وفي الوقت عينه، لم ينجح المنشقون عن الحريري في ملء الفراع الذي خلّفه زعيمهم السابق في الساحة السنية، من خلال دفع “المستقبليين” الى المشاركة في الانتخابات والاقتراع لمصلحة الخارجين على تعليمات الرئيس الحريري. وكان أبرز الخاسرين الرئيس فؤاد السنيورة والنائب السابق مصطفى علوش. وبقيت “الراية الزرقاء” معقودة اللواء لزعيم تيار “المستقبل”، الذي لم ينصاع لأوامر المملكة السعودية، التي كانت تحاول أن تجبر “المستقبل” ورئيسه على المشاركة في الانتخابات ودعوة المواطنين الى ذلك، والاقتراع لمصلحة “المنشقين”، غير أن الحريري أبى ذلك. ونجح نسبيًا في تثبيت حضوره الشعبي في الشارع السني، بحسب معلومات مصادر سياسية عليمة. ولاريب أن التشتت التي تشهده الساحة السنية راهنًا، خصوصًا بعد الخروقات التي حققها بعض المستقلين السنّة في الانتخابات، جاء ذلك لمصلحة الممثل الأكبر للطائفة السنّية في لبنان رئيس “التيار الأزرق”، رغم المحاولات السعودية الرامية الى تحجيمه، وفرض شخصية أخرى مكانه، لأسباب داخلية سعودية، وخارجية الأساسي منها، هو رفض الرئيس الحريري إقحام أهل السنة في فتنةٍ داخليةٍ تستهدف حزب الله، باعتراف مصادر قيادية في فريق المقاومة.
ولكن في الوقت عينه، لا يمكن نكران التأثير السعودي في الشارع السني وسواه، فقد أدى تدخل السفير السعودي في بيروت الى بروز حركة الانشقاقات داخل “تيار الحريري”، كذلك الى شرذمة الشارع السني، ومحاولة إبعاد شخصياتٍ لها جذورها التاريخية، ومواقفها الوطنية والعروبية، كفيصل كرامي ابن شقيق الرئيس الشهيد رشيد كرامي. والأنكى من ذلك، هو الضغط المادي والمعنوي التي مارسته “مملكة الخير” و”المرجعية الإقليمية لأهل السنة”، لتمثيل طرابلس بنائبٍ من أتباع قاتل أكبر الشخصيات السنَية في لبنان رئيس الحكومة اللبنانية رشيد كرامي في العام 1987، وذلك بالتزامن مع اقتراب ذكرى استشهاده في الأول من حزيران المقبل. وتعقيبًا على ما ورد آنفًا، تعتبر مصادر سياسية سورية أن الكتل المكونة للمجلس النيابي اللبناني، لاتزال على حالها تقريبًا، باستثناء تغييب أو غياب “تيار الحريري” عن البرلمان الجديد، ووصول بعض المستقلين الى “الندوة البرلمانية”. ولاريب أن هذا الأمر قد يؤدي الى تفاقم مختلف الأزمات التي يشهدها لبنان على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمها التوافق على تسمية رئيس حكومة عتيد، بعد انتهاء صلاحية الحكومة الراهنة دستوريًا، عقب إجراء الانتخابات النيابية. وتؤكد المصادر ألا تغيير في المشهد السياسي اللبناني، خصوصًا في ضوء فشل أي جهةٍ سنيَة في ملء الفراغ الذي خلفه الحريري، بغض النظر عن الموقف من أدائه السياسي. وتقول: “لم يستطع حتى الساعة أي طرفٍ لبنانيٍ على خلافة “المستقبل”، إذًا لا تغيير ذي أهمية”. وتستهزئ المصادر السورية بدورها بالحديث عن إمكان استبدال الحريري برئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع لقيادة الشارع السنّي، معتبرةً أن هذا الكلام لا يستحق التعليق عليه.
وأمام هذا المشهد الجديد في الشارع السني، تعتبر المصادر عينها أن ما أفرزته نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة تقود الى احتمالين لا ثالث لهما، إما أن السعودية فشلت في توحيد الساحة السنية في لبنان، وفرض زعامة سنية بديلة عن الحريري. وإما أن المملكة أنزلت لبنان من سلم أولوياتها في المرحلة الراهنة، كونها تولي أولوية لأوضاعها الداخلية، كتطوير القطاعات الثقافية والفنية والإعلامية والعلمية، كي يسهم ذلك في الحفاظ على دورها في المنطقة، لا أن تبقى مجرد صندوق مال ليس إلا. بالإضافة تكثيف المساعي السعودية الى تأمين خروجٍ مشرفٍ لها من الحرب على اليمن.
وترجح المصادر الاحتمال الثاني على الأول. وتختم بالقول: “لو كان لبنان في سلم الأولويات السعودية، لكانت بذلت جهود مماثلة للجهود التي بذلتها في انتخابات العام 2005، و2009، لإيصال كتلة برلمانية وازنة مدعومة من “المملكة” ككتلة “المستقبل” سابقًا، أو استبدالها بكتلة أخرى”.